تفسير قوله تعالى {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون

منذ 2008-02-03
السؤال: تفسير قوله تعالى {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}
الإجابة:

فى الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ‏} ‏[‏التوبة‏:‏65‏]‏، تدل على أن الاستهزاء بالله كفر، وبالرسول كفر، من جهة الاستهزاء بالله وحده كفر بالضرورة، فلم يكن ذكر الآيات والرسول شرطًا، فعلم أن الاستهزاء بالرسول كفر، و إلا لم يكن لذكره فائدة، وكذلك الآيات‏.
‏‏
وأيضًا، فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم، والضالون مستخفون بتوحيد الله تعالى يعظمون دعاء غيره من الأموات، وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوا به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}‏‏ الآية ‏[‏الفرقان‏:‏41‏]‏، فاستهزؤوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الشرك، وما زال المشركون يسبون الأنبياء، ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد، لما فى أنفسهم من عظيم الشرك‏.‏

وهكذا، تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك، لما عنده من الشرك، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 165‏]‏، فمن أحب مخلوقًا مثل ما يحب الله فهو مشرك، ويجب الفرق بين الحب فى الله والحب مع الله‏.
‏‏
فهؤلاء الذين اتخذوا القبور أوثانًا تجدهم يستهزئون بما هو من توحيد الله وعبادته، ويعظمون ما اتخذوه من دون الله شفعاء، ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذبًا، ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذبًا‏.‏

وكثير من طوائف متعددة ترى أحدهم يرى أن استغاثته بالشيخ إما عند قبره، أو غير قبره، أنفع له من أن يدعو الله فى المسجد عند السحر، ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثير منهم يخربون المساجد ويعمرون المشاهد، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وبآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك‏؟‏

وإذا كان لهذا وقف،ولهذا وقف ، كان وقف الشرك أعظم عندهم ، مضاهاة لمشركى العرب،الذين ذكرهم الله فى قوله‏:‏‏{‏‏وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا}‏‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏136‏]‏ ، فيفضلون مـا يجعل لغير الله على ما يجعل لله،ويقولون ‏:‏ الله غنى وآلهتنا فقيرة‏.‏

وهؤلاء، إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه يبكى عنده، ويخشع ويتضرع ما لا يحصل له مثله فى الجمعة، والصلوات الخمس، وقيام الليل، فهل هذا إلا من حال المشركين لا الموحدين، ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم سماع الأبيات، حصل له من الخشوع والحضور ما لا يحصل له عند الآيات، بل يستثقلونها ويستهزئون بها، وبمن يقرؤها مما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُون‏} ‏[‏التوبة‏:‏65‏]‏‏.
‏‏
والذين يجعلون دعاء الموتى أفضل من دعاء الله‏:‏ منهم من يحكى أن بعض المريدين استغاث بالله فلم يغثه، واستغاث بشيخه فأغاثه، وأن بعض المأسورين دعا الله فلم يخرجه، فدعا بعض الموتى، فجاءه فأخرجه إلى بلاد الإسلام‏.‏
وآخر قال‏:‏ قبر فلان التِرْيَاق المُجَرِّب‏.

‏ ومنهم من إذا نزل به شدة لا يدعو إلا شيخه قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمه‏.‏
وقد قال تعالى للموحدين‏:‏ ‏{‏‏فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 200‏]‏، وقد قال شعيب‏:‏ ‏{‏‏يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ‏} ‏[‏هود‏:‏92‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ‏} ‏[‏الحشر‏:‏ 13‏]‏‏
.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر.