طريقة التخلص من المال الحرام

منذ 2008-09-10
السؤال: إذا تاب شخص وقد كان جمع أموالاً كثيرة من حلال وحرام كيف يصنع بها؟
الإجابة: إن التوبة مطلوبة على كل حال، وقد قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا}، وقال تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.

فعلى الإنسان أن يتوب قبل الموت، وقد قال الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً * وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً}، فعلى الإنسان أن يتوب مطلقاً، والتوبة هي الخروج من الذنب والندم عليه لقبحه شرعاً، وتلافي ما استطاع منه، والنية أن لا يعود إليه في المستقبل، وإذا تاب الإنسان من جمع المال من الحرام، وهذا له أسباب كثيرة جدا فالإنسان الذي يقع في ذلك عن غفلة واستزلال رأى الناس يجمعون المال فقلدهم في جمعه، رآهم يأكلون الربا فأكله تقليداً لهم، أو كان صاحب شهوة فوصل إلى منتهى شهوته فلم يبق لديه أرب فيما يجمعه من المال أو جمع منه الكثير حتى أصبح لا يريده أو ضعف بدنه وقواه فأصبح غير محتاج للازدياد منه فأراد أن يتوب لا شك أن توبته منه هي بالخروج من ذلك المال الذي هو حرام، والخروج منه إذا كان يُدخِل عليه ضرراً أو على أسرته وأهل بيته فإن الضرر مرفوع شرعاً، وقد قال الله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، فلا بد إذا من حل شرعي يخرج به من المال الحرام ولا يتضرر به.

وذلك الحل قد كتبت فيه فتوى، وسلمها أهل العلم هنا في هذه البلاد وفي بلدان أخرى، هذه الفتوى هي أن على الإنسان إذا أراد التخلص من المال الحرام أولاً أن يقوم بعملية جرد لما معه من المال، ويقدر ما دخله من الحرام تقديراً دقيقاً يحتاط فيه لنفسه، فإذا عرف ما معه من الحرام تخميناً عرف أنه مثلاً لديه أربعون مليوناً من الحرام أو أربعمائة مليون من الحرام أو أربعمائة ألف ما معه من الحرام يقدره، والمشكوك فيه أيضاً يجعله من الحرام تخلصاً منه لأن ذلك هو الورع، ثم يدعو رجلين من عدول المسلمين فيشهدهما على ذلك، ويقول: أنا في مالي قدر كذا ليس لي وهو للمسلمين عامة، وأريد التخلص منه ولا أستطيع أن أدفعه دفعة واحدة كَاشْ لما في ذلك من الضرر عليّ، فماذا أصنع؟ فيقولان له: نفاوضك بالنيابة عن المسلمين فنريد أن تدفع إلينا شهرياً مبلغ كذا عشرة ملايين هل تستطيع ذلك؟ فيقول: لا، أنا لا أستطيع أن أدفع إلا مليوناً فيقولان لا، لا بد أن تدفع مليونين، ويفاوضانه حتى يقفا على حد معين يدفعه شهرياً إليهما، فيصرفانه في مصارف المال العام، وبذلك يكون ما معه من المال الآن حلالاً لأنه من ذمته والذمة من أصول الحلال، فكل ما معه من المال الآن حلال لأن هذين العدلين قاما بالنيابة عن فقراء المسلمين باستدانته هو فهو دائن الآن للمسلمين بذلك المال الذي في ذمته، وهو يؤديه بالتقسيط والتدريج لذينك العدلين، وقد قال الله تعالى فيمن أصاب صيداً في الحرم: {يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما}، فوَكَل الحكم في مثل هذا النوع من الأمور العامة إلى عدلين من عدول المسلمين.

وهذه الفتوى فيها تخفيف لا محالة وفيها إعانة للإنسان على التوبة، فإني أعرف رجلاً كان يملك بنكاً من أشهر البنوك في العالم العربي، وهو رجل صاحب تجارة وجَدٍّ وله شركات كثيرة جداً، فكبر في السن فأراد التوبة والخروج من ذلك المال الحرام، فلما أتى وهو يريد التوبة حجر عليه أولاده وزعموا أنه قد تغير عقله وخرف فمنعوه من التوبة من ذلك المال، فحيل بينه وبين المال وهو حي، فتحقق فيه وعد الله تعالى أن الربا يَنْفُقُ ثم يُمْحِقُ ثم يُحرق، فقد انتزع منه ماله وهو حي ينظر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.

محمد الحسن الددو الشنقيطي

أحد الوجوه البارزة للتيار الإسلامي وأحد أبرز العلماء الشبان في موريتانيا و مدير المركز العلمي في نواكشوط.