الطلاق عن طريق المحكمة
لي بنت عمٍّ تزوَّجت سنة 1994، وبعد عام حدثتْ مشاكل أدَّت إلى الشُّروع في الأمور القانونيَّة للطَّلاق، وذلك بالإمضاء على وثائق لدى المحكمة؛ ولكن بعد ذلك تراجَع الزَّوج عن الطَّلاق واستمرَّت الحياة الزَّوجيَّة، ولكن الجانب الخفي هو أنَّ الزَّوج استمرَّ في التَّحصيل على ورقة الطَّلاق، وتمَّ له ذلك؛ لأنَّ بنت عمِّي مضت على وثائق الطَّلاق لدى المحكمة كما سبق ذكره، ومضى بالعيش معها ومعاشرتها لمدة 8 سنين نتج عنها بنت زنا، وشاء الله أن تجد بنت عمي ورقة الطَّلاق هذه، وبدأت المشادَّات والمشاكل، ولكن في آخِر المطاف سامحتْه بِشَرْط كتابة عقد زواج جديد.
وسأسرد لكم كيف تمَّ الأمر: لقد تمَّ العقد بدون حضور الزَّوج بل بوكيله، لقد تمَّ العقد بدون حضور أيِّ وكيلٍ لبنت عمِّي؛ يعني: أنَّها زوَّجت نفسها بنفسها، لقد تمَّ العقد بتقديم وثيقة الخطوبة باسم مدينة غير مدينتِها، حتَّى إنَّه لم تتمَّ الخطبة وكذلِك تمَّ تقديم شهادة السَّكن لنفس المدينة وهي لا تسكن فيها، والمراد هو أنَّ هناك تزويرًا في هاته الوثائق، لم يعطِها الصداق المتَّفق عليه إلى حدود الآن، بالإضافة إلى كلِّ هذا فهو لا يعامِلُها جيِّدًا، ويَمنعها من زيارة أهلِها، أسئِلتي هي كالتَّالي:
: هل هذا العقد صحيح أو باطل؟
هل إذا كان العقد صحيحًا تستمرُّ في العيْش معه أم الأفضل هو الطَّلاق؛ لأنَّ معاملته لها سيِّئة رغْم مسامحتِها له على ما فعل بها كل هاتِه السنوات؟
وأسأل الله لكم المغفرة والرَّحمة والفِرْدوس الأعلى، آمين.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالذي فهمناه من السؤال: أنَّ الزَّوجين قاما برفع دعوى قضائية في المحكمة من أجل الطلاق، ثم تراجعا عن القضية، واستمرت الحياة الزوجية بينهما، وكذلك استمرت القضية في مجراها، حتى صدرت من المحكمة وثيقة للطلاق، فإذا كان كذلك ففي وقوع الطلاق تفصيل:
أولاً- إن كان الزوج يعلم ما احتوتْه وثيقة الطَّلاق التي وقَّع عليْها، وأنَّها متضمِّنة إقراره بطلاق زوجته، وقصد هو الطلاقَ عند الإقرار بالتَّوقيع - فإن ذلك يعدُّ طلاقًا؛ لأنَّ الطَّلاق كما يقع باللَّفظ، يقع أيضًا بالكتابة؛ ولكن مع النيَّة؛ لأنَّ الكتابة ليست من الطَّلاق الصَّريح، وإنما هي من الكنايات، وقد سبق بيان ذلك في فتوى: "الطلاق عبر رسائل الجوال".
والذي يملك فسْخ النِّكاح هو الزَّوج، والقاضي في أحوال معيَّنة إذا تحقَّق من الضَّرر والظُّلم.
1- إن راجع الزوج زوجته في العدة، أو صدر منه ما يعتبر رجعة كالجماع مع قصد الرجعة، وكان الطلاق رجعيًا - أي: الطلقة الأولى أو الثانية - فهي زوجته، والبنت المولودة بينهما خلال تلك الفترة، ابنة شرعية.
2- إن لم يراجع الزوج زوجته خلال فترة العدة، ولم يصدر منه ما يعتبر رجعة، أو كان الطلاق بائنًا - أي: كانت الطلقة الثالثة - فالمرأة ليست زوجةً له، والبنت المولودة بينهما خلال تلك الفترة، تنسب لأبيها؛ لأنه - والحال كذلك - نكاح شبهة يثبت به النسب، كما سبق بيانه في فتوى: "دفاعًا عن المفتي!".
ثانياً- إن كان الزوج لا يعلم ما احتوتْه وثيقة الطَّلاق التي وقَّع عليْها، ولا أنَّها متضمِّنة إقراره بطلاق زوجته، ولم يقصد طلاقَ زوجته عند التَّوقيع أصلاً - فإن ذلك لا يعدُّ طلاقًا.
وعليه؛ فالواجب على الزَّوجة أو أوليائها سؤال الزَّوج عن نيَّته؛ ليتبينوا الحق في مسألة خطيرة كهذه.
أمَّا صورة العقد المذْكور، فباطل إن ثبت أن الزوج قد طلَّق طلاقاً رجعيًّا ولم يراجع خلال العدَّة؛ لخلوِّه من شروط صحَّة النِّكاح، وراجع فتوى: "حكم زواج المرأة دون علم أهلها".
وننبه السائل الكريم إلى خطأ قوله: (بنت زنا)؛ لأنها تلْحق بوالدها، حتَّى ولو كان الطَّلاق قد وقع؛ لأنَّ ما يحدث بينهما هو نكاح شُبْهة يثْبُت به النَّسب،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: