الولاء والبراء والتعايش مع الآخر
منذ 2010-06-01
السؤال: هل نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر في الطريق وعدم بدئه
بالسلام؛ ترفض أرضية قبول التعايش مع الآخر؟
الإجابة: جواب هذا السؤال يكمن في الاستفصال عن مصطلح ورد في آخره وهو (التعايش
مع الآخر)؛ فمصطلح (التعايش) دخله ما دخل مصطلح (الآخر)؛ إذ إن مدلوله
اللغوي واضح وهو العيش على هذه الأرض من بني آدم كافة دون
تفريق.
وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله تعالى:
فقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ١١]؛ فهو معاش للمخلوقات كافة.
وقال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٢٣] والمعيشة والأرزاق مقسومة في هذه الدنيا لكل الناس، ومن ذلك ما يحتاج فيه بعضهم إلى بعض لتعمر هذه الحياة.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: ٠١] ، وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: ٠٢].
وبناء على هذا؛ فقضية عيش بني الإنسان وتعامل بعضهم مع بعض سنَّة كونية؛ فإذا أُطلق التعايش بين الأمم - على اختلاف أديانهم - مقصوداً به هذ المعنى؛ فهو حقن ومنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل أكثر المأكولات والمصنوعات والملبوسات والآلات الحربية ونحوها تتبادل بين المسلمين وغيرهم، وهذا ظاهر معلوم وكلام العلماء والفقهاء في ذلك واضح.
والمشكلة هي انتقال هذا المعنى إلى مصطلح (التعايش) بمدلول جديد يحمل معاني ودلالات ولوازم تمسُّ جوهر عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه وهــذا مـــا يفسِّر شيـــوع هذا المصطلح والزجَّ به في لغــة الإعــلام والخطاب والثقافة والفكر والحوار والعلاقات.. إلخ.
ومن أخطر المعاني والدلالات التي أريد لهذا المصطلح أن يحملها:
1- إلغاء الفارق العقدي والشرعي والسلوكي بين المسلمين والكفار أو إضعافه؛ فهو مصطلح يحمل بديلاً عن أشياء أخرى عرفها المسلمون وعايشوها وأساسها الفارق بين الإسلام والكفر وفروع هذا الفارق ولوازمه.
2 - الانتقال من البُعْد النظري أو العلمي إلى البُعْد العملي في حياة المسلمين، وذلك بأن يعايشوا الكفار على أساس إلغاء تلك الفروق بين المسلمين والكفار أو إضعافها؛ فهو مصطلح يرمي بالمسلم - والمسلمين عموماً - إلى أن يعايش الكفار في عباداتهم وأخلاقهم وقوانينهم دون التفات إلى أصولها العقدية والفكرية.
3 - الخطورة في هذا المصطلح الظرف الزماني والآني الذي به يرفع اليوم؛ وهو طغيان الحضارة الغربية بعقائدها ونُظمها وأخلاقها، حتى وُصفت بأنها هي الأعلى، وهي القدوة، وهي الغاية التي يسعى كل شعب للحاق بها. كيف لا؛ وهي نهاية التاريخ؛ كما عبر بعضهم.
فهي تدعو المغلوب إلى أن يقلِّد الغالب ويعايشه ويسير خلفه، وليس التعايش الذي هو التفاعل بين الطرفين على أقل تقدير.
4 - إن هذا التعايش له آثار سلبية في أمور كثيرة منها:
ضعف اعتزاز المسلم بدينه.
إضعاف عقيدة الولاء والبراء أو إلغاؤها.
ضعف وحدة المسلمين وأخوّتهم.
الذوبان في تلك الحضارة في الطرف الأسوأ فيها؛ كالفلسفات الإلحادية، وأفكار الحداثة والعبثية والوجودية، وأخلاقيات الإباحة والشذوذ والتفكك الأسري.. إلخ.
5 - أما ما يُزعم من الاستفادة من الحضارة الغربية وتقدُّمها العلمي والمادي والتقني والصناعي.. إلخ؛ فهذا غير مقصود - حسب استعمال مصطلح (التعايش)-؛ لأمرين:
أحدهما: أن هذا لو كان مقصوداً لكانت وسائله سهلة؛ ومنها: نقل التقنية إلى داخل بلاد المسلمين.
الثاني: أن التجربة والواقع يشهدان بأن ما نخسره من التعايش عشرة أضعاف ما نكسبه من مكتسبات الحضارة وأكثر.
وبناء على ما سبق يكون الجواب عن السؤال كما يلي:
1 - نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر وعدم بَدْئه بالسلام جاءت بها أدلة صريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، وهي جزء من كلّ مرتبط بالتوحيد والإسلام، والقرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتفاصيل العقيدة والشريعة ومنها: ما يتعلق بعلاقة المسلمين مع بعضهم، وعلاقاتهم مع الكفار على مختلف الأحوال؛ في الحرب والذمة والعهد.. إلخ.
ولهذه المسائل - التي وردت في السؤال - أحكام تفصيلية، كما أن الحكمة منها كلها ظاهرة جليَّة في الدين، بل إن البراءة من الكافرين، وشروط الذمة المعروفة وجهاد الكافر؛ هي من الأسس العظيمة للدعوة إلى الله تعالى وإخراج الكفار من الظلمات إلى النور، على عكس ما قد يظن مَنْ ضد ذلك (وتفصيل هذا ليس هنا موضعه).
2 - وعلى ذلك فنصوص الولاء والبراء والتضييق.. إلخ تتصادم مع مصطلح (التعايش مع الآخر)؛ لأنها جزء من كل، ولأن الإسلام يرفض الذوبان في الآخر أو التنازل عن أصوله وشريعته أو بعضها بحجة التعايش مع الآخر؛ كما هو مفهوم وغاية هذا المصطلح من جانب المنادين به من تيارات العَلْمانية والعقلانية البدعية ونحوها.
3 - ثم نقول: هذه النصوص ونحوها لا تعزل الأمة الإسلامية عزلاً تاماً عن بقية العالم؛ فعندها ألوان من التعايش بالمصطلح اللغوي لا المصطلح الجديد الذي شاع لدى العَلْمانيين والمفتونين بالغرب من المسلمين؛ فالعلاقات التجارية والاستفادة مما عند الأمم الأخرى من التجارب والأمور النافعة ألم يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب بنظام الفرس في الحرب؟ وكذلك العلاقة بأهل الذمة داخل البلاد الإسلامية - غير جزيرة العرب - وكذلك علاقة المسلم بأبيه أو أمه أو أخيه أو أخته أو قريبه الكافر أو زوجته الكتابية، أو جاره الكافر.. إلخ؛ كل هذا لا تلغيه عقيدة الولاء والبراء والتضييق.. إلخ.
4 - أخيراً: يجب وضع النصوص في موضعها الصحيح حسب دلالاتها وحسب تطبيق الصحابة ثم السلف لها، وأما تحميلها ما لم تحتمله من طرفي الإفراط أو التفريط فهو خطأ.
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَر الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وسير الصحابة رضي الله عنهم أكبر شاهد على هذا المنهج الوسطي الواضح.
وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله تعالى:
فقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ١١]؛ فهو معاش للمخلوقات كافة.
وقال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٢٣] والمعيشة والأرزاق مقسومة في هذه الدنيا لكل الناس، ومن ذلك ما يحتاج فيه بعضهم إلى بعض لتعمر هذه الحياة.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: ٠١] ، وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: ٠٢].
وبناء على هذا؛ فقضية عيش بني الإنسان وتعامل بعضهم مع بعض سنَّة كونية؛ فإذا أُطلق التعايش بين الأمم - على اختلاف أديانهم - مقصوداً به هذ المعنى؛ فهو حقن ومنذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لم تزل أكثر المأكولات والمصنوعات والملبوسات والآلات الحربية ونحوها تتبادل بين المسلمين وغيرهم، وهذا ظاهر معلوم وكلام العلماء والفقهاء في ذلك واضح.
والمشكلة هي انتقال هذا المعنى إلى مصطلح (التعايش) بمدلول جديد يحمل معاني ودلالات ولوازم تمسُّ جوهر عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه وهــذا مـــا يفسِّر شيـــوع هذا المصطلح والزجَّ به في لغــة الإعــلام والخطاب والثقافة والفكر والحوار والعلاقات.. إلخ.
ومن أخطر المعاني والدلالات التي أريد لهذا المصطلح أن يحملها:
1- إلغاء الفارق العقدي والشرعي والسلوكي بين المسلمين والكفار أو إضعافه؛ فهو مصطلح يحمل بديلاً عن أشياء أخرى عرفها المسلمون وعايشوها وأساسها الفارق بين الإسلام والكفر وفروع هذا الفارق ولوازمه.
2 - الانتقال من البُعْد النظري أو العلمي إلى البُعْد العملي في حياة المسلمين، وذلك بأن يعايشوا الكفار على أساس إلغاء تلك الفروق بين المسلمين والكفار أو إضعافها؛ فهو مصطلح يرمي بالمسلم - والمسلمين عموماً - إلى أن يعايش الكفار في عباداتهم وأخلاقهم وقوانينهم دون التفات إلى أصولها العقدية والفكرية.
3 - الخطورة في هذا المصطلح الظرف الزماني والآني الذي به يرفع اليوم؛ وهو طغيان الحضارة الغربية بعقائدها ونُظمها وأخلاقها، حتى وُصفت بأنها هي الأعلى، وهي القدوة، وهي الغاية التي يسعى كل شعب للحاق بها. كيف لا؛ وهي نهاية التاريخ؛ كما عبر بعضهم.
فهي تدعو المغلوب إلى أن يقلِّد الغالب ويعايشه ويسير خلفه، وليس التعايش الذي هو التفاعل بين الطرفين على أقل تقدير.
4 - إن هذا التعايش له آثار سلبية في أمور كثيرة منها:
ضعف اعتزاز المسلم بدينه.
إضعاف عقيدة الولاء والبراء أو إلغاؤها.
ضعف وحدة المسلمين وأخوّتهم.
الذوبان في تلك الحضارة في الطرف الأسوأ فيها؛ كالفلسفات الإلحادية، وأفكار الحداثة والعبثية والوجودية، وأخلاقيات الإباحة والشذوذ والتفكك الأسري.. إلخ.
5 - أما ما يُزعم من الاستفادة من الحضارة الغربية وتقدُّمها العلمي والمادي والتقني والصناعي.. إلخ؛ فهذا غير مقصود - حسب استعمال مصطلح (التعايش)-؛ لأمرين:
أحدهما: أن هذا لو كان مقصوداً لكانت وسائله سهلة؛ ومنها: نقل التقنية إلى داخل بلاد المسلمين.
الثاني: أن التجربة والواقع يشهدان بأن ما نخسره من التعايش عشرة أضعاف ما نكسبه من مكتسبات الحضارة وأكثر.
وبناء على ما سبق يكون الجواب عن السؤال كما يلي:
1 - نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر وعدم بَدْئه بالسلام جاءت بها أدلة صريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، وهي جزء من كلّ مرتبط بالتوحيد والإسلام، والقرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتفاصيل العقيدة والشريعة ومنها: ما يتعلق بعلاقة المسلمين مع بعضهم، وعلاقاتهم مع الكفار على مختلف الأحوال؛ في الحرب والذمة والعهد.. إلخ.
ولهذه المسائل - التي وردت في السؤال - أحكام تفصيلية، كما أن الحكمة منها كلها ظاهرة جليَّة في الدين، بل إن البراءة من الكافرين، وشروط الذمة المعروفة وجهاد الكافر؛ هي من الأسس العظيمة للدعوة إلى الله تعالى وإخراج الكفار من الظلمات إلى النور، على عكس ما قد يظن مَنْ ضد ذلك (وتفصيل هذا ليس هنا موضعه).
2 - وعلى ذلك فنصوص الولاء والبراء والتضييق.. إلخ تتصادم مع مصطلح (التعايش مع الآخر)؛ لأنها جزء من كل، ولأن الإسلام يرفض الذوبان في الآخر أو التنازل عن أصوله وشريعته أو بعضها بحجة التعايش مع الآخر؛ كما هو مفهوم وغاية هذا المصطلح من جانب المنادين به من تيارات العَلْمانية والعقلانية البدعية ونحوها.
3 - ثم نقول: هذه النصوص ونحوها لا تعزل الأمة الإسلامية عزلاً تاماً عن بقية العالم؛ فعندها ألوان من التعايش بالمصطلح اللغوي لا المصطلح الجديد الذي شاع لدى العَلْمانيين والمفتونين بالغرب من المسلمين؛ فالعلاقات التجارية والاستفادة مما عند الأمم الأخرى من التجارب والأمور النافعة ألم يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب بنظام الفرس في الحرب؟ وكذلك العلاقة بأهل الذمة داخل البلاد الإسلامية - غير جزيرة العرب - وكذلك علاقة المسلم بأبيه أو أمه أو أخيه أو أخته أو قريبه الكافر أو زوجته الكتابية، أو جاره الكافر.. إلخ؛ كل هذا لا تلغيه عقيدة الولاء والبراء والتضييق.. إلخ.
4 - أخيراً: يجب وضع النصوص في موضعها الصحيح حسب دلالاتها وحسب تطبيق الصحابة ثم السلف لها، وأما تحميلها ما لم تحتمله من طرفي الإفراط أو التفريط فهو خطأ.
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَر الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وسير الصحابة رضي الله عنهم أكبر شاهد على هذا المنهج الوسطي الواضح.
عبد الرحمن بن صالح المحمود
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.
- التصنيف: