وجوب التوجه إلى الكعبة في الحرم المكي
منذ 2010-12-10
السؤال: شيخنا العلامة: ما قولكم في وجوب تصويب المأموم لسمت الكعبة إذا صلوا
خلف الإمام صفا مستقيما فزادوا عن حد الكعبة؟ وما تحفظون في كيفية
امتداد الصفوف في القرن الأول مع كثرة من حج من النبي صلى الله عليه
وسلم حتى قيل: إنهم مئة وعشرون ألفا، والمقطوع به أن استدارة الصفوف
ما كانت إلا في قريب من التسعين من الهجرة؟
الإجابة: الحمد لله؛ الظاهر لي بل الذي أجزم به أنه يجب على المأموم في المسجد
الحرام أن يستقبل سمت الكعبة لأنها عين القبلة لما في الصحيحين أنه
صلى الله عليه وسلم: ركع ركعتين في قُبُل الكعبة وقال: هذه القبلة،
وإنما أمر الله مَن في نواحي الأرض باستقبال شطر المسجد الحرام، وهو
جهته، كما قال تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ
لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ}) [البقرة]، وهذا من تيسير الله على عباده، إذ لم
يكلفهم مع البعد استقبالَ عين الكعبة حتى روي في هذا حديث يستدل به
أهل العلم في ذلك وهو " "، أما مع القرب ومشاهدة الكعبة فيتعين استقبالُ
عينها، ولو التُزم مع اتساع المسجد باستقامة الصف للزم من ذلك استقبال
من في أطراف الصفوف لنواحي المسجد، فتكون القبلة عن يمينهم أو عن
شمالهم، فتعارض عندنا استقبال القبلة واستقامة الصف في المسجد، ومعلوم
أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، واستقامة الصف هو من تمام الصلاة،
والشرط أحق بالمراعاة، ولذلك أطبق العلماء فيما أحسب على إقرار ما حدث
من استدارة الناس حول الكعبة في الصلاة خلف الإمام، بل نص بعض العلماء
على جوازها، كما نقله الزركشي في (أحكام المساجد ص 96) عن البغوي
والرافعي والنووي، وذكره القرافي أيضا في الفروق (2-157).
وأما ما كان عليه الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من حال امتداد الصفوف مع عدم الاستدارة فأنا لا أحفظ فيه شيئا، ولكني أعتقد أن الصفوف لم تكن طويلة بحيث تخرج عن سمت الكعبة لأن المسجد لم يكن واسعا، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفي حجة الوداع يصلي فيه إلا نادرا، بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي بمنزله خارج مكة، مما يجعل أكثر الناس لا يحضرون الصلاة في المسجد، فلم يلزم من كثرة من حج معه صلى الله عليه وسلم كثرةُ من يحضر الصلوات المكتوبة في المسجد الحرام، ولو قُدِّر أن تمتد الصفوف خارجا عن سمت الكعبة لوجب أن نقول: إنه لابد أن تنحني أطراف الصفوف تدريجيا لتحقيق استقبال القبلة، ومما يؤكد هذا أنه لم يذكر في وجوب إصابة عين القبلة خلاف، قال في المغني (ج2 صفحة100): "ثم إن كان معاينا للكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها، لا نعلم فيه خلافا"، وقال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص26): "واتفقوا أن استقبال القبلة لها فرض لمن يعاينها أو عرف دلائلها، ما لم يكن محاربا ولا خائفا". قلت: وفي حكم المعاين كل من كان في المسجد وهو لا يرى الكعبة لحائل من بناء أو من الصفوف، وأما ما ذكره النووي في المجموع (ج3 صفحة193) من قوله: "ولو وقف الإمام بقرب الكعبة والمأمومون خلفه مستديرين بالكعبة جاز، ولو وقفوا في آخر المسجد وامتد صف طويل جاز، وإن وقف بقربه وامتد الصف فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة باطلة" ففي تفريقه بين الصف الطويل قرب الكعبة والصف الطويل آخر المسجد نظر ظاهر؛ إذ لا يظهر فرق بين الصفين في خروج أطرافهما عن استقبال الكعبة، إذ الكل قادر على استقبال عين القبلة، وهو فرض المعاين لها بالاتفاق، كما تقدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالصف القريب منها لا يزيد طوله على قدر الكعبة، ولو زاد لكان الزائد مصليًا إلى غير الكعبة، والصف الذي خلفه يكون أطول منه وهلم جرا. فإذا كانت الصفوف تحت سقائف المسجد، كانت منحنية بقدر ما يستقبلون الكعبة وهم يصلون إليها، وإلى جهتها أيضًا" (مجموع الفتاوى 22-208).
ولا يخفى أن التقوس في الصفوف القريبة للعيان إذا طال الصف أظهر منه في الصفوف البعيدة في المسجد. ولابد من هذا التقوس والانحناء مع مشاهدة عين الكعبة، فإن المحافظة على استقامة الصفوف مع خروجها عن سمت الكعبة يؤدي إلى عدم استقبال القبلة مِن كل مَن خرج عن سمتها، كما تقدم. والله أعلم.
15-7-1431هـ 27-6-2010
المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
وأما ما كان عليه الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من حال امتداد الصفوف مع عدم الاستدارة فأنا لا أحفظ فيه شيئا، ولكني أعتقد أن الصفوف لم تكن طويلة بحيث تخرج عن سمت الكعبة لأن المسجد لم يكن واسعا، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وفي حجة الوداع يصلي فيه إلا نادرا، بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي بمنزله خارج مكة، مما يجعل أكثر الناس لا يحضرون الصلاة في المسجد، فلم يلزم من كثرة من حج معه صلى الله عليه وسلم كثرةُ من يحضر الصلوات المكتوبة في المسجد الحرام، ولو قُدِّر أن تمتد الصفوف خارجا عن سمت الكعبة لوجب أن نقول: إنه لابد أن تنحني أطراف الصفوف تدريجيا لتحقيق استقبال القبلة، ومما يؤكد هذا أنه لم يذكر في وجوب إصابة عين القبلة خلاف، قال في المغني (ج2 صفحة100): "ثم إن كان معاينا للكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها، لا نعلم فيه خلافا"، وقال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص26): "واتفقوا أن استقبال القبلة لها فرض لمن يعاينها أو عرف دلائلها، ما لم يكن محاربا ولا خائفا". قلت: وفي حكم المعاين كل من كان في المسجد وهو لا يرى الكعبة لحائل من بناء أو من الصفوف، وأما ما ذكره النووي في المجموع (ج3 صفحة193) من قوله: "ولو وقف الإمام بقرب الكعبة والمأمومون خلفه مستديرين بالكعبة جاز، ولو وقفوا في آخر المسجد وامتد صف طويل جاز، وإن وقف بقربه وامتد الصف فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة باطلة" ففي تفريقه بين الصف الطويل قرب الكعبة والصف الطويل آخر المسجد نظر ظاهر؛ إذ لا يظهر فرق بين الصفين في خروج أطرافهما عن استقبال الكعبة، إذ الكل قادر على استقبال عين القبلة، وهو فرض المعاين لها بالاتفاق، كما تقدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالصف القريب منها لا يزيد طوله على قدر الكعبة، ولو زاد لكان الزائد مصليًا إلى غير الكعبة، والصف الذي خلفه يكون أطول منه وهلم جرا. فإذا كانت الصفوف تحت سقائف المسجد، كانت منحنية بقدر ما يستقبلون الكعبة وهم يصلون إليها، وإلى جهتها أيضًا" (مجموع الفتاوى 22-208).
ولا يخفى أن التقوس في الصفوف القريبة للعيان إذا طال الصف أظهر منه في الصفوف البعيدة في المسجد. ولابد من هذا التقوس والانحناء مع مشاهدة عين الكعبة، فإن المحافظة على استقامة الصفوف مع خروجها عن سمت الكعبة يؤدي إلى عدم استقبال القبلة مِن كل مَن خرج عن سمتها، كما تقدم. والله أعلم.
15-7-1431هـ 27-6-2010
المصدر: موقع الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك
عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف: