حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة التأسيس
منذ 2011-01-04
السؤال: ما حكم تداول أسهم الشركات في مرحلة التأسيس مثل شركة الصحراء؟
الإجابة: لحمد للهه، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تداول أسهم شركة الصحراء للبتروكيماويات بيعاً وشراءً مع أنها حديثة التأسيس والأغلب في موجوداتها في هذه الفترة من النقود، وليس لها مشروعات إنتاجية قائمة حتى الآن.
وحول هذا الموضوع كتب الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بحثاً مختصراً ذكر فيه أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وخلص إلى جواز تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس التي تمارس أنشطة مباحة -ومنها شركة الصحراء- ولو كان الأغلب في موجوداتها النقود، لما يأتي:
- أولاً: لأن هذه الشركات لا تخلو من موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومن ذلك:
1 - الحقوق المعنوية كالاسم التجاري للشركة،والدراسات السابقة لإنشائها، وتصاريح العمل، وقوة الإدارة وكفاءتها،وغير ذلك.
2 - بعض الأصول المملوكة للمنشأة من أراضٍ أو سياراتٍ أو أثاثٍ أو غير ذلك.
3 - ومنافع الأعيان المستأجرة والأشخاص العاملين في الشركة وقت تأسيسها.
ثانياً: ولأن التكييف الشرعي للأسهم -على رأي كثير من العلماء المعاصرين- أنها عروض مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها لأنها أموال قد اتخذت للاتجار، وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، وهذا الرأي له قوة وحظ من النظر، ويتأيد بعددٍ من الاعتبارات الشرعية والقانونية، ومنها:
1 - أن القانون التجاري -بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية- يميز بين ملكية السهم، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم، فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها.
2 - ولأن القيمة السوقية للسهم لا تعكس بالضرورة القيمة الفعلية لموجودات الشركة (القيمة الدفترية)، فقد تتناقص قيمة موجودات الشركة بينما القيمة السوقية للسهم في تصاعد، والعكس كذلك، وقد تخسر الشركة وقيمتها السوقية تزداد وهكذا، فقيمة السهم لا تعبر بالضرورة عن قيمة الموجودات، فهي قد تتأثر بها ولكنها لا ترتبط بها ارتباطاً مباشراً صعوداً وهبوطاً، وذلك لوجود مؤثرات أخرى في قيمة السهم غير موجودات الشركة ونشاطها، فجودة الإدارة وسمعتها التجارية وخبرتها في مجال النشاط كلها عوامل ترفع من قيمة السهم، مما يعني أن الزيادة في قيمة السهم ليست مقابل الموجودات وإنما لعوامل أخرى متعددة.
3 - ولأن النقد إنما يمثل أغلبية بالنظر إلى قيمة الموجودات العينية (المحسوسة) للشركة، أي بالنظر إلى القيمة الاسمية للأسهم، لا إلى قيمتها السوقية، لأن القيمة السوقية تتأثر بعوامل أخرى -كما سبق- لا تقل أهمية عن الموجودات العينية، فإذا أخذ بعين الاعتبار تلك العوامل المعنوية المؤثرة على قيمة السهم السوقية والتي يكتسبها المساهم بمجرد دخوله في الشركة فإن نسبة النقد إلى موجودات الشركة الإجمالية تكون أقل، والواجب عند النظر إلى موجودات السهم أن ينظر إلى الموجودات والحقوق التي يشتمل عليها السهم بقيمته السوقية (أي العوامل التي أوصلته إلى تلك القيمة)، لا أن ينظر إلى موجودات قيمته الاسمية فحسب.
4 - ولأن الزيادة في قيمة السهم بعد بدء التداول ليست زيادة في قيمة موجودات السهم، وإنما هي زيادة في قيمة السهم نفسه، و"السهم" شيءٌ و"ما يمثله من موجودات في الشركة" شيءٌ آخر، ولهذا لو طلب مالك السهم حصته من الموجودات لم يُمَكَّن من ذلك لأن امتلاكه للسهم لا يعني امتلاكه لما يمثله من موجوداتٍ بأعيانها.
ثالثاً: وعلى فرض التسليم بصحة التكييف القائل بأن بيع الأسهم له حكم ما يمثله السهم من موجودات فالذي دل عليه حديث ابن عمر المتفق عليه: "من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع"، أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ واشتري بنقدٍ من جنسه، ولم يكن النقد المخلوط مقصوداً فلا يلتفت إليه بمعنى أنه لا يجري على الصفقة حكم الصرف، حتى ولو كانت قيمة النقد المخلوط أكثر من قيمة الخِلط الذي معه، قال ابن قدامة رحمه الله: "الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال... فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً، من جنس الثمن أو من غيره، عيناً كان أو ديناً، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر".
وبخصوص الشركة التي نتحدث عنها، وهي شركة الصحراء، وغيرها من الشركات الإنتاجية حديثة التأسيس فإن النقد الذي فيها ليس بمقصود لأمرين:
* الأول: أن المشتري -بشرائه السهم- لا يقصد الحصول على النقد الذي في الشركة، ولا ينتقي من الشركات ما هو أكثر نقديةً، بل قصده الحصول على الربح الرأسمالي أو الدوري أياً كانت الموجودات.
* والثاني: لأن المقصود من نشاط الشركة هو الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية، وهي من العروض، وأما غلبة النقدية في موجوداتها لفترة من الفترات فهي أمر عارض ولا يعد ذلك من نشاطها المقصود.
رابعاً: وعلى فرض التسليم بأن النقد الذي في الشركة مقصود وأن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإن صورة هذه المعاملة كالمسألة المعروفة عند الفقهاء بمسألة " مد عجوة ودرهم " وهي: بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما، وكل من الربويين مقصود في العقد، وبيان ذلك أن الأسهم مؤلفة من:
1 - النقد، وهو بالريالات.
2 - والأموال الأخرى من حقوقٍ وأعيانٍ ومنافع.
وفي الطرف المقابل فالثمن من الريالات، فالريالات في طرفي العقد مقصودة، ومع أحد الطرفين مالٌ غير ربوي.
.. والذي رجحه عدد من المحققين من أهل العلم منهم ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد أن العقد يصح بشرطين:
- الأول: أن يكون المال الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره.
- والثاني: ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية، ولم يؤت به للتحليل.
وكلا الشرطين متحققٌ في بيع هذه الأسهم، فإنها تباع بقيمتها السوقية وهي أعلى من القيمة الاسمية التي تم الاكتتاب بها، كما أن الموجودات الأخرى غير النقدية في الشركة ذات قيمة حقيقية ولم يؤت بها حيلة، والله أعلم.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
فيكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تداول أسهم شركة الصحراء للبتروكيماويات بيعاً وشراءً مع أنها حديثة التأسيس والأغلب في موجوداتها في هذه الفترة من النقود، وليس لها مشروعات إنتاجية قائمة حتى الآن.
وحول هذا الموضوع كتب الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بحثاً مختصراً ذكر فيه أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وخلص إلى جواز تداول أسهم الشركات حديثة التأسيس التي تمارس أنشطة مباحة -ومنها شركة الصحراء- ولو كان الأغلب في موجوداتها النقود، لما يأتي:
- أولاً: لأن هذه الشركات لا تخلو من موجودات أخرى غير النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعاً، ومن ذلك:
1 - الحقوق المعنوية كالاسم التجاري للشركة،والدراسات السابقة لإنشائها، وتصاريح العمل، وقوة الإدارة وكفاءتها،وغير ذلك.
2 - بعض الأصول المملوكة للمنشأة من أراضٍ أو سياراتٍ أو أثاثٍ أو غير ذلك.
3 - ومنافع الأعيان المستأجرة والأشخاص العاملين في الشركة وقت تأسيسها.
ثانياً: ولأن التكييف الشرعي للأسهم -على رأي كثير من العلماء المعاصرين- أنها عروض مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها لأنها أموال قد اتخذت للاتجار، وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، وهذا الرأي له قوة وحظ من النظر، ويتأيد بعددٍ من الاعتبارات الشرعية والقانونية، ومنها:
1 - أن القانون التجاري -بما يمنحه للشركة المساهمة من شخصية اعتبارية- يميز بين ملكية السهم، وملكية الأصول والأعيان التي يتضمنها السهم، فالسهم يملك على وجه الاستقلال عن ملكية الأصول والأعيان التي تملكها الشركة، بحيث إن الحصص المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك إلى ملكية الشركة، ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق عيني عليها.
2 - ولأن القيمة السوقية للسهم لا تعكس بالضرورة القيمة الفعلية لموجودات الشركة (القيمة الدفترية)، فقد تتناقص قيمة موجودات الشركة بينما القيمة السوقية للسهم في تصاعد، والعكس كذلك، وقد تخسر الشركة وقيمتها السوقية تزداد وهكذا، فقيمة السهم لا تعبر بالضرورة عن قيمة الموجودات، فهي قد تتأثر بها ولكنها لا ترتبط بها ارتباطاً مباشراً صعوداً وهبوطاً، وذلك لوجود مؤثرات أخرى في قيمة السهم غير موجودات الشركة ونشاطها، فجودة الإدارة وسمعتها التجارية وخبرتها في مجال النشاط كلها عوامل ترفع من قيمة السهم، مما يعني أن الزيادة في قيمة السهم ليست مقابل الموجودات وإنما لعوامل أخرى متعددة.
3 - ولأن النقد إنما يمثل أغلبية بالنظر إلى قيمة الموجودات العينية (المحسوسة) للشركة، أي بالنظر إلى القيمة الاسمية للأسهم، لا إلى قيمتها السوقية، لأن القيمة السوقية تتأثر بعوامل أخرى -كما سبق- لا تقل أهمية عن الموجودات العينية، فإذا أخذ بعين الاعتبار تلك العوامل المعنوية المؤثرة على قيمة السهم السوقية والتي يكتسبها المساهم بمجرد دخوله في الشركة فإن نسبة النقد إلى موجودات الشركة الإجمالية تكون أقل، والواجب عند النظر إلى موجودات السهم أن ينظر إلى الموجودات والحقوق التي يشتمل عليها السهم بقيمته السوقية (أي العوامل التي أوصلته إلى تلك القيمة)، لا أن ينظر إلى موجودات قيمته الاسمية فحسب.
4 - ولأن الزيادة في قيمة السهم بعد بدء التداول ليست زيادة في قيمة موجودات السهم، وإنما هي زيادة في قيمة السهم نفسه، و"السهم" شيءٌ و"ما يمثله من موجودات في الشركة" شيءٌ آخر، ولهذا لو طلب مالك السهم حصته من الموجودات لم يُمَكَّن من ذلك لأن امتلاكه للسهم لا يعني امتلاكه لما يمثله من موجوداتٍ بأعيانها.
ثالثاً: وعلى فرض التسليم بصحة التكييف القائل بأن بيع الأسهم له حكم ما يمثله السهم من موجودات فالذي دل عليه حديث ابن عمر المتفق عليه: "من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع"، أن المبيع إذا اشتمل على نقدٍ واشتري بنقدٍ من جنسه، ولم يكن النقد المخلوط مقصوداً فلا يلتفت إليه بمعنى أنه لا يجري على الصفقة حكم الصرف، حتى ولو كانت قيمة النقد المخلوط أكثر من قيمة الخِلط الذي معه، قال ابن قدامة رحمه الله: "الحديث دل على جواز بيع العبد بماله إذا كان قصد المشتري للعبد لا للمال... فيجوز البيع سواء كان المال معلوماً أو مجهولاً، من جنس الثمن أو من غيره، عيناً كان أو ديناً، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر".
وبخصوص الشركة التي نتحدث عنها، وهي شركة الصحراء، وغيرها من الشركات الإنتاجية حديثة التأسيس فإن النقد الذي فيها ليس بمقصود لأمرين:
* الأول: أن المشتري -بشرائه السهم- لا يقصد الحصول على النقد الذي في الشركة، ولا ينتقي من الشركات ما هو أكثر نقديةً، بل قصده الحصول على الربح الرأسمالي أو الدوري أياً كانت الموجودات.
* والثاني: لأن المقصود من نشاط الشركة هو الاستثمار في المنتجات البتروكيماوية، وهي من العروض، وأما غلبة النقدية في موجوداتها لفترة من الفترات فهي أمر عارض ولا يعد ذلك من نشاطها المقصود.
رابعاً: وعلى فرض التسليم بأن النقد الذي في الشركة مقصود وأن بيع الأسهم له حكم بيع موجوداتها فإن صورة هذه المعاملة كالمسألة المعروفة عند الفقهاء بمسألة " مد عجوة ودرهم " وهي: بيع الربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما، وكل من الربويين مقصود في العقد، وبيان ذلك أن الأسهم مؤلفة من:
1 - النقد، وهو بالريالات.
2 - والأموال الأخرى من حقوقٍ وأعيانٍ ومنافع.
وفي الطرف المقابل فالثمن من الريالات، فالريالات في طرفي العقد مقصودة، ومع أحد الطرفين مالٌ غير ربوي.
.. والذي رجحه عدد من المحققين من أهل العلم منهم ابن تيمية ورواية عن الإمام أحمد أن العقد يصح بشرطين:
- الأول: أن يكون المال الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره.
- والثاني: ألا يكون القصد من المعاملة التحايل على الربا وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية، ولم يؤت به للتحليل.
وكلا الشرطين متحققٌ في بيع هذه الأسهم، فإنها تباع بقيمتها السوقية وهي أعلى من القيمة الاسمية التي تم الاكتتاب بها، كما أن الموجودات الأخرى غير النقدية في الشركة ذات قيمة حقيقية ولم يؤت بها حيلة، والله أعلم.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.
يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
- التصنيف: