في قوله "طَبَعَ" {طَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ} إستعارة أم حقيقة؟

منذ 2011-10-12
السؤال:

هل قول القائل في تفسير قوله تعالى: {} [المنافقون: ٣]، في الفعل "طبع" إستعارة؛ شبه انصراف قلوبهم عن الطاعة بالطبع عليها، ثم حذف المشبه، واستعار لفظ المشبه به "الطبع" واشتق منه الفعل طبع، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والطبع معناه الختم، هل هو صحيح، أو أن الكلام في الآية على ظاهره الحقيقي؟

الإجابة:

الحمد لله؛ قوله تعالى: {} [المنافقون: ٣]، هذه الآية لها نظائر في القرآن، كقوله تعالى: {} [الروم: ٥٩]، {} [النحل: ١٠٨]، ومن جنس هذه الآيات: {} [البقرة: ٧]، ويشبه ذلك قوله تعالى: {} [محمد: ٢٤]، وقوله: {} [يس: ٨، 9]، وكل هذه الآيات تدل على أن الله فعل بهؤلاء الكافرين فعلا من الطبع، والختم، والقُفل، وجعل السد يحول بينهم وبين قبول الحق؛ عقوبة لهم على كفرهم بالحق أول مرة، كما قال تعالى: {} [الأنعام: ١١٠]، وقوله: "فطُبع" أي فطبع الله، بدليل الآيات الأخرى، وجعل هذه الآيات من قبيل الاستعارة معناه أنه لم يكن من الله طبع ولا ختم، ولا جعلُ شيء أصلا، وإنما ذلك كله راجع إلى انصرافهم واستكبارهم وعنادهم، وهذا يجري على مذهب القدرية من المعتزلة وغيرهم، فعندهم أن قدرة الله ومشيئته لا تتعلق بأفعال العباد، ولا أثر له فيها، فهو لا يضل أحدا، ولا يهدي أحدا، وكل هذه الأفعال المضافة إلى الله مجاز، فلا طبع، ولا ختم، ولا غشاوة، ولا قُفل، ولا سد، كما صرح بذلك الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {} [البقرة: ٧]، قال: "قلت: لا ختم ولا تغشية ثَمَّ على الحقيقة، وإنما هو من باب المجاز"، وأما أهل السنة فيؤمنون بظاهر هذه الآيات، ويؤمنون بأن كل هذه الأفعال المضافة إلى الله حقيقةٌ، ويقولون: "إنه تعالى يضل من يشاء بعدله وحكمته، ويهدي من يشاء بفضله وحكمته، ويزيغ القلوب، ويختم عليها، ويطبع عليها، عقوبة على الكفر، كما قال تعالى: {} [الصف: ٥]، وقال تعالى: {} [النساء: ١٥٥]، وذلك أن أهل السنة من أصولهم أن قدرة الله ومشيئته شاملة لأفعال العباد، خلافا للقدرية النفاة؛ كالمعتزلة الذين يخرجون أفعال العباد عن مشيئة الله وخلقه وقدرته وملكه، سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون والمفترون علوا كبيرا.
والله أعلم.

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود