العمليات المسلحة التي تشن على المسلمين
ما حكم الشرع في هذه الهجمات التي يشنها المسلمون على المسلمين بحجة رد الظلم أو بحجة كفر الحكام؟ وهل الحكام الآن مع ظلمهم يعتبرون كفاراً؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد نهت الشريعة عن إطلاق اللسان بتكفير المسلم -أياً كان- لما ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ""، وفي الحديث الآخر في الصحيحين كذلك: ""، أي رجع عليه ما قاله. قال الحافظ رحمه الله في (الفتح): "والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم، وقيل: الراجع هو التكفير لا الكفر".أ.هـ.
والواجب على المسلم أن يتورع عن إطلاق هذا اللفظ الخطير على أخيه المسلم؛ فضلاً عن التكفير بالجملة لأن ذلك من ورطات الأمور التي لا مخرج منها، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة".أ.هـ.
والتكفير حكم شرعيٌّ خطير تترتب عليه أحكام خطيرة منها: أن المحكوم بكفره لا يحل لزوجته البقاء معه؛ لقوله تعالى: {}، ولا يجوز لأولاده البقاء تحت سلطانه، لقوله تعالى: {}، وتنقطع الولاية بينه وبين مجتمع المؤمنين؛ لقوله تعالى: {}، ويجب تقديمه للقضاء ليقيم فيه حكم الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ""، وبعد موته لا تجرى عليه أحكام موتى المسلمين؛ فلا يُغسَّل، ولا يُكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يورث ماله، ولا يُدعَى له بالرحمة والمغفرة؛ لقوله تعالى: {}، ويستوجب الخلود في جهنم مع لعنة الله تعالى وغضبه.
فالتكفير أخطر الأحكام وأشدُّها؛ والأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:
- أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم.
- والثاني: افتراء الكذب على المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفِّره الله تعالى فهو كمن حرَّم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه.
وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحريٌّ به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ""، وفي رواية: ""، وله من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ""، يعني رجع عليه، وقوله في حديث ابن عمر: ""، يعني في حكم الله تعالى، وكذلك قوله في حديث أبي ذر رضي الله عنه: "" يعني في حكم الله تعالى.
والذي يحكم بردة المسلم وكفره هم الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين يميِّزون بين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، وبين ما يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل، فلا يكفّرون إلا بما لا يجدون له مخرجاً، مثل: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو وضعه موضع السخرية من عقيدة أو شريعة، ومثل سبِّ الله تعالى ورسوله، أو كتابة ذلك السبِّ علانية، ونحو ذلك.
ثم إن الذي يناط به تنفيذ حكم الردة هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص؛ الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المُحْكمات البَيِّنات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المرجعان اللذان يُرجَعُ إليهما إذا اختلف الناس، وهو الأمر الذي أكَّد عليه الله تعالى بقوله: {}، فليس الحكم بالردة والكفر موكولاً إلى آحاد الناس وصغار الطلبة؛ بل الأمر في ذلك عظيم، وحريٌّ بالعاقل أن يتورع عن إطلاق القول فيه.
والأصل في دماء المسلمين الحرمة فلا يجوز الإقدام على سفكها جملة، بل ولا يجوز سفك دم المسلم الفرد إلا بموجب شرعي، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ""، ويكون سفك دمه بحكم شرعي من جهة الاختصاص بعد إقامة البينة على أنه قد ارتد أو زنى بعد إحصان أو قتل نفساً، والله الموفق والمستعان.
عبد الحي يوسف
رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
- التصنيف:
- المصدر: