الأحكام المتعلقة بالابن غير الشرعي
الولد غير الشرعي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلَمْ يُبَيِّنِ الأخُ السائلُ المُرادَ بقوله: "الولد غير الشرعي" حتى نتمكن من جوابه.
وإن كنا نذكر بعض الأمور والأحكام المتعلقة بولد الزنا فنقول:
معلوم أن الزاني والزانية هما المؤاخذان بجرمهما وليس ولد الزنا، ومن المقرر في شريعتنا الإسلامية الغراء أن كل الإنسان لا يؤاخذ بجريمة غيره؛ قال تعالى: {} [الطور:21]، وقال: {} [الأنعام: 164] وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه الحاكم من حديث عائشة وحسنه الألباني في الجامع).
وقد وردتْ عِدَّةُ أحاديثَ في ذمِّ ولد الزنا ولا يصح منها شيء، منها: ما رُوِيَ عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا يدخل الجنة ولد زنية" (رواه البيهقي عن ابن عمرو والبخارى فى التاريخ الكبير، وقد ذكره الحافِظُ ابن الجوزي في "الموضوعات").
والصحيح أنَّ ابنَ الزنا يَدخُلُ الجنَّة إذا مات على الإسلام، ولا تأثير لكونه ابْنَ زِنا على ذلك؛ لأنَّه ليس من عمله إنَّما هو من عمل غيره.
ومنها: ما رواه أحمد في المسند (2 / 311) وأبو داود في سننه (4 / 39) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولدُ الزنى شر الثلاثة" وقد حُكِم عليه بِشِدَّة الضعف؛ فأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (رقم 1282-1283) وحكم عليه الدَّارقُطني بالاضطراب، وضعفه الحافظ ابن حجر كما في "القول المسدَّد" له (49-50 رقم 10)، وحسَّنهُ ابن القَيِّم في "المنار المنيف" (133) والألباني في "السلسلة الصحيحة" (672)، ولو صحَّ الحديثُ فكما قال أهل العلم أنَّه لا يُحمَلُ على ظاهره وإِنَّمَا يكون المراد أَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ الخبائث؛ لأنَّ الشريعة قد قرَّرت حُكمًا قطعيًّا وهو: أنَّ أحدًا لا يَحمل من إثْمِ غيْرِه شيئًا.
أما الأحكام الخاصَّة بولد الزنا:
أولاً: من جهة النَّسب: فولَدُ الزِّنا لا يُنْسَبُ إلى الزَّانِي ولا تَجِبُ عليه تِجاهَهُ نفقةٌ ولا سُكْنَى، وإنَّما يُنْسَب إلى أُمِّه وأهْلِها نسبةً شرعيَّة صحيحة، وتتحمَّل هي نفقاتُه، وقدْ جاءَ في الصحيحين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "".
قال الإمام النووي: العاهر هو الزاني، ومعنى "" أي له الخَيْبَة ولا حقَّ في الولد، وعادة العرب أن تقول: له الحَجَرُ، يريدون بذلك ليس له إلا الخَيْبة".
وقال في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير": "لأنَّ مَاءَ الزَّانِي فاسِدٌ وَلِذا لا يُلحَقُ بِهِ الوَلَدُ".
ثانيًا: من جهة الميراث: فولدُ الزِّنا لا يَرِثُ من الرجل الذي زَنَى بأُمِّه ولا يرِثُ الرَّجُل منه سواء اعترف بفعْلَتِه أم لَم يعتَرِفْ؛ لأنَّ أبوَّته له غير معتبرة شرعًا فهي معدومة.
روى الترمذي في سننه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "" قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم أنَّ ولد الزنا لا يَرِثُ من أبيه".
قال صاحب "تبيين الحقائق": (وَيَرِثُ وَلَدُ الزِّنَا وَاللِّعَانِ بجِهة الأُمِّ فَقَط) لأَنَّ نَسَبَهُ مِنْ جِهَةِ الأَبِ مُنْقَطِعٌ فَلا يَرِثُ بِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الأُمِّ ثَابِتٌ فَيَرِثُ بِهِ أُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ مِن الأُمِّ بِالْفَرْضِ لا غَيْرُ، وَكَذا تَرِثُهُ أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ مِنْ أُمِّهِ فَرْضًا لا غَيْرُ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": "وَأَحَادِيثُ البَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَرِثُ ابْنُ المُلاعَنَةِ مِنْ المُلاعِنِ لَهُ ولا مِنْ قَرَابَتِهِ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ لا يَرِثُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الزِّنَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى ذَلِكَ". انتهى.
ثالثًا: من جهة نِكاحه: وأمَّا ما يتعلَّق بحكم الزواج منِ ابنِ الزِّنا :- فلم ينصَّ أحدٌ من الفقهاء المعتبرين على تحريمه، وإنَّما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءَتِه لذات النسب؛ فمنهم من رأى أنه كفء لها، ومنهم من لم ير ذلك لأنَّ المرأة تعيَّر به هي ووليُّها، ويتعدَّى ذلك إلى ولدها.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كان مسلمًا فالنكاح صحيح؛ لأنه ليس عليه من ذنب أمِّه، ومن زنا بِها شيء؛ لقول الله سبحانه: {} [الأنعام: 164]، ولأنَّه لا عارَ عليه من عملِهِما إذا استقامَ على دين الله، وتخلَّق بالأخلاقِ الحسنة؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: {} [الحجرات: 13]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سُئِلَ عن أكرم الناس قال: "" .. وقال عليه الصلاة والسلام: """. اهـ.
رابعًا: من جِهة الصلاة عليه إذا مات، فقد سُئِلَتِ اللجنة الدائمة عن ولد الزنا إذا مات: هل يُصَلَّى عليه؟ فأجابتْ: "وأمَّا ولد الزِّنَى فإنَّه يُصَلَّى عليه إذا كانتْ أُمُّه مسلمةً، ولا ذَنْبَ عليه فيما اقتَرَفَ الزّانِي والزّانية".
وما أحسنَ ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وولَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وعَمِل صالحًا دَخل الجَنَّةَ, وإلا جُوزِي بعَمَلِه كمَا يجَازَى غيْرُه, والجَزَاءُ على الأَعْمَالِ لا على النَّسَبِ، وإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا؛ لأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عمَلا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، كما تُحْمَدُ الأَنسَاب الفَاضِلَة لأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الخَيرِ, فَأَمَّا إذا طَهُر العَملُ فالجَزَاءُ عَلَيْهِ, وَأَكْرَمُ الخَلقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ". اهـ. "الفتاوى الكبرى"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: