من أحرم ولم يجد ملابس إحرام
ما حُكْمُ مَن أحرمَ بِعُمرةٍ ولَم يَكُنْ معَهُ ملابسُ الإحرام من غيْرِ المَخيط؟
وتفصيلُها أنَّه اتَّجه إلى جدَّة ناويًا العُمرة، ولمَّا وصل مطارَ الرّياض اكتشف قبل إقلاع الطَّائرة بقليلٍ أنَّه نَسِي ملابِس الإحرام، ولَم يَستطعْ إلى حين صعودِه الطَّائرة تأمينَ ملابسَ أُخرى، ومعلومٌ أنَّه سيحرم في الطَّائرة عند مُحاذاة الميقات، فماذا يفعل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ مَنْ عَجز عن ملابس الإحرام فيتجرد من المخيط ما يقدر عليه؛ فيُمْكِنُه أن ينزَعَ ثوبَه أو قميصَه ويلفَّه على صدْرِه وأن يلْبَس السراويل؛ وذلك لحديثِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما قال: سَمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَخطب بعرفات يقول: "" (متَّفق عليه).
قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنَّ للمُحْرِم أن يلبس السراويل إذا لم يَجد الإزار، والخفَّين إذا لم يَجد النعلين. وبهذا قال عطاءٌ والثَّوري ومالكٌ والشَّافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم" انتهى.
واختلف أهل العلم في وجوب الفِدْيَة عليه؛ فعند الحنابلة والشَّافعية لا فِدْيَة عليه لحديثِ ابْنِ عبَّاس السَّابق، قالوا: وهو صريحٌ في الإباحة ظاهرٌ في إسقاط الفدية؛ لأنه أَمَرَ بلبْسِه ولم يذكر فديةً، ولأنَّه يَختصّ لبسه بحالة عدم غيْرِه فلم تَجِبْ به فديةٌ كالخُفَّين المقطوعين.
وقال مالك وأبو حنيفة: على كل مَن لبِس السَّراويل الفِدْية، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما يلبس المُحْرِم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "" (متَّفق عليه).
قالوا: ولأنَّ ما وجبت الفِدْية بلبسه مع وجود الإزار وجبتْ مع عدمه كالقميص.
قال ابن حجر في "فتح الباري": "وقَوْله في حَدِيث ابن عَبَّاس "" أَيْ هَذا الحُكْم لِلمُحْرِمِ لا الحَلال، فلا يَتَوَقَّف جَوَاز لُبْسه السَّرَاوِيل على فَقْد الإزَار".
والذي يظهر أن من عجز عن ملابس الإحرام لبس السَّراويل ولا يجب عليه فَتْقها وهو قَوْلِ الإمام أحْمَد والأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة ولا فدية عليه؛ لقول الله تعالى: {} [البقرة: 286]، ولقوله تعالى: {} [الطلاق: 7]، ولأن النبي في حديث وابن عباس السابق لم يأمر من لم يجد الإزار بالفدية؛ وتَأخِيرَ البَيَانِ عَن وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ في حق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بِالإِجْمَاعِ.
قال فضيلة الشيخ مُحمد بن صالح العُثَيْمين -طيَّب الله ثَراه-: "بِإِمْكانِه أن يَخلَع القميصَ ويلفَّه على جسده لفًّا لا لبسًا، وأمَّا السَّراويل فإنْ أمكنَ أن يتَّزر بالغترة استَتَر بِها ثُمَّ خلع السَّراويل، وإذا لم يُمكِن لا بأس أن يبقَى عليه لكن ليس عليه فدية؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: ""، ولم يَجعل عليه فدية، وهذه مع الأسف تقَعُ لكثير من الناس، يكون في الطائرة وقد نوى العُمْرة ولكن ثيابه في العفش في بَطْنِ الطَّائرة لا يتمكَّن من لبسها، فيبقى متردّدًا: هل يُحْرِم وعليه ثيابه، أو لا يُحْرِم حتَّى يصل إلى المطار وينزل من الطائرة ويأخذ ثياب الإحرام؟ والجواب: أنَّ حلَّ هذه المشكلة أن ينزَع الثَّوب أو القميصَ ويلفَّه على صدرِه، وأمَّا السراويل فإنْ أمكنَ أن يتَّزر بالغترة فهذا هو المطلوب، وإن لَم يُمْكِن لكونِها قصيرةً لا تستر تَمامًا فليبق على سراويله وليس عليه شيء؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "" ولا يَجوز أن يؤخّر الإحرام حتَّى ينزل إلى جدة". اهـ،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: