العمل في الضرائب
أبي يعمل في الضرائب العقارية فما حكم راتبه؟ وهل العمل بالضرائب حلال أو حرام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للدولة أن تفرض على المواطنين ضرائب سواء كانت على الدخل، أو على الأرباح، أو الدعاية والإعلان، أو العقارات، أو غير ذلك من الضرائب. والأصل أنه لا يجب على المسلم إخراج شيء من ماله سوى الزكاة، للحديث الذي أخرجه ابن ماجه في سننه، عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "".
فإذا كانت هنالك حاجة للأمة في مصالحها العامة وليس في الخزانة ما يكفي لها؛ فلولي الأمر أن يفرض ما هو مناسب، ويجب على الناس دفعه إن كانت لهم قدرة عليه وفق ضوابط معينة، منها: استنفاد كل ما في بيت المال (الخزينة العامة)، وحسن التصرُّف في المال العام، ولا يجوز جعل هذا ذريعة للذين يتصرفون في مال الله بغير حق. قال القرطبي: "اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها".اهـ. وقال القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن": "وإذا وقع أداء الزكاة، ونزلت بعد ذلك حاجة، فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء، وقد قال مالك: يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم, وإن استغرق ذلك أموالهم". اهـ.
وفي تلك الحال يجوز العمل في إداراتها.
أما فرض ضرائب على المواطنين بدون مقابل، أو جعلها عليهم وفي بيت المال ما يكفي للقيام بالخدمات اللازمة للمصلحة العامة, أو هناك سوء استخدام للمال العام؛ فيحرم في تلك الحال جمعها، كما يحرم العمل في إداراتها؛ لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، بل عده الإمام الذهبي من الكبائر فقال: "الكبيرة السابعة والعشرون: الْمَكَّاس: وهو داخل في قول الله تعالى: {} [الشورى:42]، والْمَكَّاس من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم؛ فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "". وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه أبو داود). وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد، ومن أين للمَكَّاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم، إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات، وهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "".اهـ
ومما سبق يتبين أنه: إذا كانت مصلحة الضرائب تراعي الشرع ولا ترهق الناس بالضرائب الباهظة وتراعي الشروط السابقة، فعندئذ يجوز العمل في إداراتها، مع التزام العدل، و البعد عن الظلم، وإذا أجزنا العمل فالراتب الذي يتقاضاه حلال.
أما إذا كانت الدولة تفرض الضرائب على المواطنين بدون مقابل، ولا تراعي الشرع ولا الشروط السابقة، فلا يجوز لك العمل فيها. قال الله تعالى: {} [المائدة:2]. والراتب حينئذ حرام يجب التخلص منه.
هذا؛ ولا نرى مانعاً من العمل في هيئات الضرائب، ولو كانت الضرائب محرمة إذا كان العامل يستطيع تخفيف الظلم عن الناس، ونوى بعمله النيَّة الصالحة؛ وهي تخفيف الظلم والمفسدة الواقعة على الناس، عملاً بقاعدة: "الضرر يزال"، وما يتفرع عليها من قواعد تفيد بأن الضرر يزال قدر الطاقة، وقاعدة: "الميسور لا يسقط بالمعسور"، لكن على العامل أن يتقي الله ويصدق في نيَّته، وإذا جاز له العمل بهذه الصورة، فالمال المقبوض عوضاً له يكون حلالاً، وكذا المستحقات التي تصرف له بعد انتهاء مدة عمله. والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: