أذكر الله لصديق حي، هل هذا وارد؟
لي صديقٌ حدث بيْننا مشكلة وسامح كِلانا الآخر، ولكنَّه سافر وانقطعتِ الصِّلة بيني وبينه. أخذتُ عهدًا على نفسي: بأنَّه كما أذكُر اللهَ لنفْسي بالأذكار الصحيحة الواردة عن خيْر الأنام رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أن أذكر اللهَ له أيضًا، وأحتسب الأجْرَ له.
سمعتُ أنَّ بعض العُلماء يُجيزون أعمالَ الخير للحي، والبعض الآخر ينكرونه، فهل لي أن أعرِف ما هو الصحيح في هذا الأمر وأدلَّته؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ إهداء ثوابِ الطَّاعات إلى شخص حيٍّ محلُّ خلافٍ بين العُلماء، فأجازه الحنفيَّة والحنابلة وبعضُ المالكيَّة، ومنع منه الشَّافعية وأكثر المالكيَّة.
قال الزيلعي –الحنفي- في "تبيين الحقائق" في باب "الحج عن الغير": "الأصل في هذا الباب: أنَّ الإنسان له أن يَجعل ثوابَ عمله لغيرِه عند أهل السنَّة والجماعة، صلاةً كان، أو صومًا، أو حجًّا، أو قراءةَ قرآن، أو أذكارًا، إلى غير ذلك من جَميع أنواع البِرِّ".
وقال المرداوي -الحنبلي- في "شرح منتهى الإرادات": (وكل قُرْبة فَعَلها مسلمٌ، وجَعَل) المسلمُ (ثوابَها لمسلم حيٍّ أو ميتٍ - حَصَل) ثوابُها (له، ولو جَهِله) - أي: الثوابَ - (الجاعلُ)؛ لأنَّ الله يعلمُه: كالدعاء، والاستغفار، وواجبٍ تدخلُه النيابة، وصدقةِ التَّطوُّع؛ إجماعًا، وكذا العتقُ، وحجَّ التطوُّع، والقراءةُ، والصلاةُ، والصيام".
واحتجُّوا على جواز نقْلِه للأحياء بِما ورد في الصحيح، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "".
قال في "الفروع": "وهو يدلُّ على أنَّ أمَّته -أمواتَهم وأحياءَهم- قد نالَهم النفع والأجْر بتضحيته؛ وإلا كان ذلك عبثًا".
ويجابُ: بأنَّ الحديث أخصُّ من محلِّ النزاع؛ فهو في العبادات الماليَّة، وقد أجازها الأكثر.
والذي يظهر -والعلم عند الله- أنَّه لا يجوز العملُ عن الحي إلا ما استثناه النَّصُّ، كالدعاء؛ لقوله تعالى: {} [النجم: 39]، ولأنه لم يُنْقَل عن السَّلف الصالح أنَّهم كانوا إذا صلَّوا تطوُّعًا، أو صاموا، أو حجُّوا، أو قرؤوا القرآنَ - أَهْدَوْا ثوابَ ذلك للمسلمين، سواءٌ الأحياءُ أم الأموات، والواجبُ على المسلمين اتِّباعُ طريقة السلف؛ والأصل في العبادات البدنيَّة أن يُؤدّيها المسلم عن نفسه، ولا تدخلُها النيابة، فلا يجوز لأحدٍ أن يصلِّي عن أحدٍ، ولا أن يصوم عنه؛ بإجماع العُلماء، وقد حكى ابنُ عبدالبر في "الاستِذْكار" إجْماعَ العُلماء: أنه لا يُصلِّي أحدٌ عن أحدٍ فَرْضًا، ولا سُنَّة، ولا تطوُّعًا، لا عن حيٍّ ولا عن ميت، وكذلك الصيامُ نفلاً أو فرضًا،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: