معنى حديث: "ما سار راكب بليل وحده"، وقوله تعالى: {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً}

منذ 2013-02-05
السؤال:

1- شرح حديث: "" وهلْ وَرَدَ شيٌّء مِمَّا يَحصُلُ في سَفَر الشَّخصِ وحْدَه؟

2- في سورة غافر الآية (34) قال الله تعالى: {} الآيةَ - الاستفسار عن مَجيءِ كلِمة الهَلاك لنَبِيِّ الله بدلَ الموتِ أو التوفّي أو قَبْضِ الرُّوح أو غَيْرِها من الكلمات، علمًا بأنَّ الهلاكَ ذُكِرَ في أقوام عصَوُا الله.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالحديثُ المُشار إليه رواه البُخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم أنه قالَ: "".

قال في "تحفة الأحوذي": قَوْلُهُ: "" ما مَوْصُولَةٌ والمَعْنَى لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما أَعْلَمُ ما في الوَحْدَةِ مِن الآفاتِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ، "" ما نافِيَةٌ، قالَ الطِّيبِيُّ: وَكانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقالَ: ما سارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ، فَقَيَّدَهُ بِالرَّاكِبِ واللَّيْلِ لأَنَّ الخَطَرَ باللَّيْلِ أكْثَرُ، فإنَّ انْبِعاثَ الشَّرِّ فيه أَكْثَرُ، والتَّحَرُّزَ منه أَصْعَبُ، ومنه قَوْلُهُم: اللَّيْلُ أَخْفَى لِلوَيْلِ، وَقَوْلُهُم: اعْذُرْ اللَّيْلَ؛ لأَنَّهُ إِذا أَظْلَمَ كَثُرَ فِيهِ العُذْرُ لا سِيَّما إذا كانَ راكِبًا فَإِنَّ لَهُ خَوْفَ وجَلِ المَرْكُوبِ مِن النُّفُورِ مِنْ أَدْنَى شَيْءٍ، والتَّهَوِّي في الوَحْدَةِ بِخِلافِ الرَّاجِلِ، قال القارِي: ويُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالرَّاكِبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِلَ مَمْنُوعٌ بِطَرِيقِ الأَوْلَى ولِئَلاّ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الوَحْدَةَ لا تُطْلَقُ على الرَّاكِبِ كَما لا يَخْفَى؛ انْتَهَى، قال ابنُ المُنيرِ: السَّيْرُ لِمَصْلَحَةِ الحَرْبِ أَخَصُّ مِن السَّفَرِ، والخَبَرُ وَرَدَ في السَّفَرِ، فَيُؤْخَذُ منْ حَدِيثِ جابِرٍ جَوازُ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا لِلضَّرُورَةِ والمَصْلَحَةِ الَّتِي لا تَنْتَظِمُ إِلاّ بالانْفِرادِ، كَإِرْسالِ الجاسُوسِ والطَّلِيعَةِ، والكَراهَةُ لِما عَدا ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حالَةُ الجَوازِ مُقَيَّدَةً بِالحاجَةِ عِنْدَ الأَمْنِ، وَحالَةُ المَنْعِ مُقَيَّدَةٌ بِالخَوْفِ حَيْثُ لا ضَرُورَةَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كُتُبِ المَغازِي: بعث كُلّ مِنْ حُذَيْفَةَ وَنُعَيْم بْن مَسْعُودٍ وَعَبْداللَّهِ بْن أنيسٍ وَخَوَّات بْن جُبَيْرٍ وَعَمْرو بْن أُمَيَّةَ وسالِم بْن عُمَيْرٍ في عِدَّةِ مَواطِنَ، وَبَعْضُها في الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الحافِظُ في "الفَتْحِ" اهـ.

وفي النَّهي عن الوحْدة في السَّفر أيضًا وَرَد حديثُ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "" (رواهُ أبو داود).

قال ابن حجر في "الفتح": وقيل في تفسير قولِه "" أي سفَرُه وحده يَحمِلُه عليه الشَّيطان، أو أَشْبَهَ الشَّيطان في فِعْلِه، وقيل: إنَّما كُرِهَ ذلك لأنَّ الواحدَ لو مات في سفَرِه ذلك لم يَجِدْ مَن يقوم عليه، وكذلك الاثنان إذا ماتا أو أحدُهما لم يَجد مَن يُعِينُه بخلاف الثلاثة، ففي الغالب تُؤْمَنُ تلك الخشية" اهـ.

قال الألباني في "السلسلة الصَّحيحة" (1/ 92): "... وفي هذه الأحاديث تَحريم سفَر المسلم وحدَه وكذا لو كان معَهُ آخَرُ، لظاهر النَّهْيِ في الحديث...، ولقوله فيه: "شيطان" أيْ عاصٍ، كقولِه تعالى: {} فإنَّ معناهُ: عُصاتُهم كما قال المُنْذِري.
وقال الطبري: هذا زجر أدبٍ وإرشاد لِما يُخافُ على الواحد من الوحشة، وليْسَ بِحرام، فالسَّائِرُ وحدَه بفلاة، والبائِتُ في بيت وحدَه لا يأمن من الاستيحاش، لاسيَّما إن كان ذا فكرة رديئة أو قَلْبٍ ضعيف، والحقّ أنَّ النَّاس يتفاوتون في ذلك، فوقع الزَّجر لحسْم المادَّة فيُكْرَه الانفراد سدًّا للباب، والكراهة في الاثنين أخفُّ منها في الواحد، ذكره المناوي في "الفيض".

قلت: ولعلَّ الحديثَ أراد السَّفر في الصحارى والفلوات التي قلَّما يرى المُسافِرُ فيها أحدًا من الناس، فلا يدْخُل فيها السَّفر اليوم في الطُّرق المعبَّدة الكثيرة المواصلات، والله أعلم، ثُم إنَّ فيه ردًّا صريحًا على خروج بعض الصوفيَّة إلى الفلاة وحدَه للسّياحة وتَهذيب النَّفس، زَعموا! وكثيرًا ما تعرَّضوا في أثناء ذلك للمَوْتِ عطشًا وجوعًا، أو لتكفُّف أيدي النَّاس، كما ذكروا ذلك في الحكايات عنهم، وخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحمَّد صلَّى الله عليْهِ وآله وسلَّم،، اهـ.

أمَّا قوله تعالى: {} [غافر: 34]؛ فهلَكَ في القرآن الكريم تَرِدُ بمعنى إهلاك الاستِئْصال؛ أي الإماتة بعذاب، كما في قولِه تعالى: {} [المرسلات: 16]، وقوله تعالى: {} [الأعراف: 155]، وكقولِه: {} [الأحقاف: 35].

وتأتي هَلَكَ بِمعنى مُطلَق الإماتة -بِلا عذاب- أي إماتة نَاسٍ بعْدَ ناسٍ، فيَحْصُل للمُؤْمِن والكافِر، كقولِه: {} [النساء: 176] وقوله تعالى: {} [القصص: 88]، وقوله تعالى: {} [غافر: 34].

وقال الرَّاغِبُ: "هلك؛ الهلاكُ على ثلاثة أوجُه: افتِقادُ الشَّيْءِ عنْك وهو عندَ غَيْرِك موجودٌ؛ كقوله تعالى: {} [الحاقة: 29]، وهلاكُ الشيء باستحالةٍ وفساد؛ كقولِه: {} [البقرة: 205]، ويُقال هلَكَ الطَّعام، والثالث المَوْتُ؛ كقوله: {} [النساء: 176]، وقال تَعالى مُخْبِرًا عن الكُفَّار: {} [الجاثية: 24] ولم يَذْكُر الله الموتَ بِلَفْظِ الهلاكَ حيْثُ لَم يَقْصِد الذَّمَّ إلا في هذا الموضع وفي قوله: {} وذلك لفائدةٍ يَخْتصّ ذِكْرُها بِما بعد هذا الكتاب".

وقال في "روح المعاني" عند قوله تعالى: {}: "والمرادُ بالإهْلاك الإماتة والإعدام مُطْلقاً لا عن سخطٍ وغَضَب،... وتَعميم إرادة الإهلاك مع حُصُول الغَرَض بقَصْرِها على عيسى - عليه الصلاة والسلام - لتَهْوِيل الخَطْبِ وإظْهار كَمال العَجْزِ ببيان أنَّ الكُلَّ تَحْتَ قَهْرِه ومَلَكُوتِه تعالى، لا يَقْدِرُ (أحد) على دفْعِ ما أُريدَ به فضلاً عما أريدَ بغيره، وللإيذان بأنَّ المسيح أسوةٌ لِسائر المخلوقات في كونِه عُرضةً للهلاك كما أنَّه أسوةٌ لَهُم في العجْزِ وعدَم اسْتِحْقاق الألوهيَّة". اهـ.

وقال أبو السُّعود: "والمرادُ بالإهلاك الإماتةُ والإعدامُ مطلقًا، لا بِطَريق السُخْط والغضب".
وقال أبو حيَّان في "البحر المحيط": لأنَّ الإهلاكَ بِمَعْنى الإماتة مُشْتَرك فيه الصَّالح والطَّالح".

وقال الخَازِنُ - عند قوله تعالى: {} [الإسراء: 58]: "أي بالموْتِ والخراب... وقيل: الإهلاك في حقّ المؤمنين الإماتة وفي حقّ الكفَّار العَذَاب، قال عبدالله بن مسعود: إذا ظَهَرَ الزِّنا والرِّبا في قريةٍ أذِنَ اللهُ في هلاكِها".

وقال في "التفسير الكبير": {} [المرسلات: 16] هو مُطلق الإماتة أو الإماتة بالعَذاب، فإن كان ذلك هو الأوَّل لَم يكُنْ تَخويفًا للكفَّار؛ لأنَّ ذلك أمرٌ حاصلٌ للمؤمِنِ والكافر فلا يصلُحُ تَحذيرًا للكافِر، وإن كان المراد هو الثَّاني وهو الإماتةُ بالعذاب فقوله: {} يقتضي أن يَكونَ الله قد فعل بكفَّار قريش مثل ذلك"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام