المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية AAOFI

منذ 2013-04-29
السؤال:

ذكرتم في حلقة سابقة من يسألونك "المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية" فأرجو توضيح ما يتعلق بهذه المعايير.

الإجابة:

"هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية مقرها في البحرين، وهي منظمة دولية مستقلة مؤلفة من أكثر من 140 عضوًا من 40 بلدًا، ومهمتها إصدار المعايير في عددٍ من المجالات كالمحاسبة والمراجعة والضوابط الأخلاقية والشرعية، لتغطي كافة جوانب العمل المصرفي والمالي الإسلامي، وحتى تجعله ينسجم مع بعضه، ومع الواقع التجاري المحيط، وتسهل على المستثمر والمستهلك من جهة، وتيسر على البنوك إدارة أموالها، وتحقيق عائد أكبر، وتوفير بيئة آمنة من حيث تقليل مستوى المخاطرة من جهة أخرى" (نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط العدد 10290).

وقد بلغ عدد المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية حتى بداية سنة 2010م ثمانين معيارًا من المعايير الشرعية، بالإضافة إلى معايير خاصة بالمحاسبة والمراجعة وأخلاقيات العمل المصرفي الإسلامي. كما ينتظر أن يضاف 16 معيارًا آخرًا حتى عام 2011 (انظر موقع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على شبكة الإنترنت: (http://www.arabic.aaoifi.com/ara-keypublications.html

وتعتبر هذه المعايير في الحقيقة والواقع، أهم الضوابط الشرعية لعمل المصارف الإسلامية في وقتنا الحاضر، ويُعدُّ الالتزام بالمعايير الشرعية الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية من عناصر التزام أي بنك إسلامي بالضوابط الشرعية في أعماله، حيث إن هذه المعايير معتمدة في 90% من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم، ويقوم بإعداد هذه المعايير المجلس الشرعي في الهيئة والمؤلف من 16 عالمًا وباحثًا، بعضهم يمثل المصارف وبعضهم لديه خبرته ومكانته في الصناعة المالية الإسلامية، وهم من خيرة المشايخ المتخصصين في أمور الاقتصاد المالي الإسلامي.

وبعد هذه المقدمة أبين أن المعايير جمع معيار، والمعيار -بكسر العين- كل ما تقدر به الأشياء من كيل أو وزن، وما اتخذ أساسًا للمقارنة، وعيار النقود: مقدار ما فيها من المعدن الخالص، والمعيار هو ما يقدر به الشيء...والمقصود بالمعايير الشرعية هي الضوابط التي تضبط العقود والأنشطة الإنسانية بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، ولكن المراد بها هنا هي: المعايير الشرعية والمعايير المحاسبية، ومعايير الضبط والمراجعة التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

وقد شملت المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية كثيرًا من أنواع معاملات البنوك الإسلامية مثل: المتاجرة في العملات، بطاقة الحسم وبطاقة الائتمان، المدين المماطل، المقاصة، الضمانات، تحول البنك التقليدي إلى مصرف إسلامي، الحوالة، المرابحة للآمر بالشراء، الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك، السَّلم والسَّلم الموازي، الاستصناع والاستصناع الموازي، الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة، المضاربة، الاعتمادات المستندية، الجعالة، الأوراق التجارية، صكوك الاستثمار، القبض، القرض، بيوع السلم في الأسواق المنظمة، الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، عقود الامتياز، الوكالة وتصرف الفضولي، التمويل المصرفي المجمع، الجمع بين العقود، التأمين الإسلامي، المؤشرات، الخدمات المصرفية في المصارف الإسلامية، ضوابط الفتيا وأخلاقياتها في إطار المؤسسات، التورق، الغرر المفسد للمعاملات المالية، التحكيم، الوقف، إجارة الأشخاص، الزكاة، العوارض الطارئة على الالتزامات، الاتفاقيات الائتمانية، التعاملات المالية بالإنترنت، الرهن، الحسابات الاستثمارية وتوزيع الربح، إعادة التأمين وغيرها.

وتأتي أهمية الالتزام بالمعايير الشرعية من خلال ما يلي:
أولاً: إن وجود معيار شرعي لأي عقد، أو منتج، بصياغة قانونية واضحة يجعل المؤسسة المالية تسير على هداه بوضوح وبخطوات راسخة للوصول إلى تطبيق أحكام الشريعة دون لبس أو غموض. إن التزام المؤسسة المالية بهذه المعايير يترتب عليه كسب ثقة المتعاملين بها واحترامهم لها.
ثانيًا: إن الالتزام بهذه المعايير سيؤدي بإذن الله تعالى إلى مزيد من تحقيق التعاون بين المؤسسات المالية من خلال الأعمال المشتركة، بل إلى توحيدها من حيث العقود والضوابط والمبادئ العامة.
ثالثـًا: إن وجود هذه المعايير يفيد المتعاملين من حيث الالتزام بأحكام الشريعة، وبالتالي يعلمون ما لهم وما عليهم من واجبات وأحكام.
رابعًا: إن المعايير الشرعية تفيد جهات القضاء أو التحكيم للوصول إلى الحكم العادل الواضح البين، وقد كانت في السابق إشكالية تثار دائمًا: كيف تحكم في الخلاف: هل بالمذهب الحنفي، أو المالكي، أو الشافعي، أو الحنبلي، أو الإمامي، أو الزيدي، أو الإباضي...ثم داخل المذهب بأي قول من أقوال المذهب أو أية رواية من رواياته؟ لذلك كانت المحاكم تلجأ إلى القوانين حتى مع نص في العقد على الالتزام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة...
خامسًا: إن وجود هذه المعايير والالتزام بها يفيد الدولة والمصارف المركزية وجهات الرقابة والتدقيق، بكيفية التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية وضبطها، والتعرف على أعمالها وعقودها، وكيفية التدقيق عليها على ضوء أسس وضوابط حددتها المعايير الشرعية.
سادسًا: إن وجود هذه المعايير الشرعية والمحاسبية يفيد شركات التدقيق الخارجي في كيفية الضبط والتدقيق الداخلي على أسس وموازين وأوزان محددة.
سابعًا: إن الالتزام بهذه المعايير يسهل عملية التصنيف والجودة، حيث يمكن المنافسة على ما هو الأجود.
ثامنًا -وأخيرًا-: إن الالتزام بها يؤدي إلى التطوير، ولكن هذا إنما يتحقق بإمكانية المراجعة بهذه المعايير على ضوء ضرورة العمل والتطبيق، ففقه التطبيق والمعايشة أهم أنواع الفقه، كما قال تعالى: {}.

ومن أهم المبررات العملية للاعتراف بهذه المعايير الشرعية والمحاسبية الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة:
(1) إن معايير المحاسبة السائدة في أماكن مختلفة من العالم تبلورت وصدرت لتتفق مع بيئة البلد الذي صدرت فيه، ومن أهم أوجه الاختلاف المتطلبات الشرعية ذات التأثير على أعمال المصارف.
(2) وجود اختلافات بين البنوك التقليدية التي تقارن بها بالمصارف الإسلامية، وبين تلك المصارف، من أهمها المتطلبات الشرعية واختلاف الجوهر الاقتصادي للعديد من معاملاتها الهامة.
(3) اختلاف المعلومات التي يحتاجها المستفيدون من القوائم المالية للمصارف الإسلامية عن تلك التي يحتاجها مستخدمو القوائم المالية للبنوك التقليدية.
(4) وجود اختلافات هامة بين المعايير التي تستخدمها حاليًا المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية نفسها من بلد لآخر، ومن مصرف لآخر في نفس البلد، وأحيانًا من سنة لأخرى لنفس المصرف. واليوم توجد عدة بنوك مركزية تلزم بهذه المعايير، أو ترشد إليها مثل: البحرين، وماليزيا، وسورية، ولبنان، والسودان، وسنغافورة، وقطر، والسعودية، وجنوب أفريقيا". (بحث آلية الالتزام بالمعايير الشرعية وضرورته للدكتور علي محيى الدين علي القره داغي. عن موقعه على الإنترنت).

إذا تقرر هذا فإن التزام المصارف الإسلامية بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية يعتبر الأساس الرئيس للتحقق من استيفاءها لمتطلبات الشريعة، ولدفع عملية تطوير منتجاتها قدمًا. كما يعمق الالتزام بالمعايير عنصر الشفافية في التقارير المالية للمؤسسات المالية الإسلامية. ولا شك أن من شأن التزام المصارف الإسلامية بهذه المعايير أن يوحد أسس وقواعد المعاملات المصرفية الإسلامية وتطبيقاتها، وكذلك فإن التزام هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية باعتماد هذه المعايير يقلل إلى حدٍ كبير من اختلاف الفتاوى بينها. وكما أن التزام المصارف الإسلامية بهذه المعايير يزيد من ثقة المتعاملين مع المصارف الإسلامية ويعمق الثقة بصحة معاملاتها.

وخلاصة الأمر أن المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين تعتبر من أهم مرجعيات الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية، وإن الالتزام بها يعبر عن مدى التزام المصارف الإسلامية بالأحكام الشرعية، كما أن الالتزام بها يضبط معاملات المصارف الإسلامية، ويقلل إلى حدٍّ كبير الاختلاف في الفتاوى بين هيئات الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية. كما أن الالتزام بهذه المعايير الشرعية يوفر حماية للمصارف الإسلامية من تلاعب المتلاعبين الذين يتسترون تحت مسميات التمويل الإسلامي المختلفة. ولذلك كله فإنني أرى أن اعتماد المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين، لأمرٌ جِدُّ ضروري، لضبط معاملات المصارف الإسلامية، ولتوحيد الفتاوى الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، ولتقليل الخلافات بينها. وأطالب باعتماد هذه المرجعيات من قبل سلطة النقد الفلسطينية وأن تقوم السلطة بإلزام المصارف الإسلامية بها.

تاريخ الفتوى: 9-7-2010.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.