مرجعية الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية

منذ 2013-04-29
السؤال:

نسمع أن للبنك الإسلامي رقابة شرعية تشرف عليه، فما هو دورها؟ وما هي مرجعيتها؟

الإجابة:

تعتبر الرقابة الشرعية صمام الأمان في البنوك الإسلامية، وهي التي تضبط أعمال البنوك الإسلامية وتبين مدى توافقها مع الأحكام الشرعية، لأنه لا يمكن لأي بنك أن يرفع لافتة أنه بنك إسلامي، دون أن تكون أعماله متفقة مع الأحكام الشرعية، ولا يمكن أن يتم تحقيق تلك الدعوى بدون وجود هيئة رقابة شرعية. "فالرقابة الشرعية هي: التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية (شركة أو مصرف) لأحكام الشريعة الإسلامية، حسب الفتاوى الصادرة والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى" (انظر الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حمزة عبد الكريم، ص32). ويمكن تعريف الرقابة الشرعية أيضًا بأنها: "مُراقبة سير العمل في المصارف الإسلامية، لمعرفة مدى مطابقتهِ لأحكام الشريعة الإسلامية، في معاملاته المصرفية المختلفة، للتحقق من التزام المصرف بخصائصه، والتأكد من تحقيق أهدافه" (رسالة الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية لحسن صافي ص 41).

وتعتبر الرقابة الشرعية ذات أهمية بالغة للبنوك الإسلامية لأكثر من سبب، من أبرزها:
(1) الأساس الذي قامت عليه البنوك الإسلامية المعاصرة هو تقديم البديل الشرعي للبنوك الربوية غير المشروعة، ولا يخفى على أحدٍ أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للبنوك الإسلامية، فهي الجهة التي تراقب وترصد سير عمل البنوك الإسلامية والتزامها وتطبيقها في معاملاتها للأحكام الشرعية.
(2) كثير من العاملين في البنوك الإسلامية ليست لديهم المعرفة الكافية بقواعد المعاملات الإسلامية.
(3) العمليات المصرفية في الاستثمار والتمويل بالذات تحتاج إلى رأي من هيئة الفتوى نظرًا لتميز هذه العمليات بالتغير وعدم التكرار مع كل حالة أو عملية أو مشروع يموله المصرف، ومن ثم فالعاملون في النشاط الاستثماري يجب أن يكونوا على اتصال مستمر مع الرقابة الشرعية؛ لأنهم دائمًا بحاجة إلى الفتيا في نوازل وواقعات تواجههم أثناء عملهم.
(4) وجود الرقابة الشرعية في البنك يُعطيه الصبغة الشرعية، كما يُعطي وجود الرقابة ارتياحًا لدى جمهور المتعاملين مع البنك.

وبالإجمال فإنَّ وجود الرقابة الشرعية في أية مؤسسة مالية إسلامية، بنك أو غيره، يمنحُها الثقة والقوة والشرعية، علمًا بأن كل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، في نظامها الداخلي وقوانينها الأساسية، تشترط خضوع كل المعاملات المصرفية فيها للأحكام الشرعية، وهذا يُضفي عليها صفة القانونية بالإضافة إلى الشرعية. ولا بد أن يُعلم أن القرارات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية تكون إلزامية لإدارة البنك وموظفيه. وأهم أهداف الرقابة الشرعيـة أنها تتحقق من التزام البنك الإسلامي بالأحكام والمبادئ الشرعية. وتقوم بإيجاد الصيغ والعقود والنماذج المعتمدة في البنك من الناحية الشرعية، وتدقيق المعاملات التي ينفذها البنك بحيث تكون موافقة للأحكام الشرعية. وإبداء الرأي الشرعي في كل الأنظمة والعقود والتطبيقات والاتفاقيات والقوائم المالية وتعليمات العمل، للتأكد من خلوها من أي محظور شرعي، وكل ما يتطلبه أداء ذلك من رقابة وتدقيق ومتابعة.

ولا بد من الإشارة إلى أن الأنظمة والتعليمات الصادرة عن سلطة النقد الفلسطينية تلزم البنوك الإسلامية العاملة في فلسطين بأن يكون لديها هيئة رقابة شرعية وقد بينت مهامها بما يلي:
"1- التأكد من أن أعمال وأنشطة المصرف الإسلامي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
2- إبداء الرأي في صيغ العقود اللازمة لأعمال وأنشطة المصرف الإسلامي والاتفاقيات، والسياسات، والمنتجات، والمعاملات، والقوائم المالية، ونشر تقريرها ضمن التقارير المالية للمصرف، على أن يتضمن التقرير الأنشطة المخالفة للشريعة إن وجدت.
3- تطبيق الأهداف والغايات المبينة في النظم الداخلية وعقود التأسيس الخاصة بها.
4- تقديم التوجيه والإرشاد والتدريب لكافة موظفي المصرف فيما يتعلق بالأحكام الشرعية والفتاوى ذات العلاقة".

وأود أن أقول لجمهور المتعاملين مع البنوك الإسلامية أنه يوجد خلف البنوك الإسلامية عددٌ كبيرٌ من العلماء والخبراء والباحثين الذين يؤسسون للعمل المصرفي الإسلامي ويوجهونه ويرشدونه ويدققون في معاملاته وفق الأسس والقواعد الشرعية.

إذا تقرر هذا فإن الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي لها مرجعية واضحة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويمكن بيان معالم هذه المرجعية فيما يلي: أولاً: المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية AAOIFI ومقرها البحرين، والمقصود بالمعايير الشرعية هي: المعايير الشرعية والمعايير المحاسبية، ومعايير الضبط والمراجعة التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهي اليوم تقرب من ثمانين معيارًا، ويقوم بإعداد هذه المعايير المجلس الشرعي في الهيئة والمؤلف من عددٍ من المشايخ والعلماء والمتخصصين في أمور الاقتصاد المالي الإسلامي. بعضهم يمثل المصارف وبعضهم لديه خبرته ومكانته في الصناعة المالية الإسلامية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين منظمة دولية مستقلة مؤلفة من أكثر من 140 عضوًا من 40 بلدًا، ومهمتها إصدار المعايير في عدد من المجالات كالمحاسبة والمراجعة والضوابط الأخلاقية والشرعية، وهذه المعايير معتمدة في 90% من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى العالم. وقد شملت المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية كثيرًا من أنواع معاملات البنوك الإسلامية مثل: المتاجرة في العملات وبطاقة الحسم وبطاقة الائتمان والمقاصة والضمانات والمرابحة للآمر بالشراء والإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك والسلم والسلم الموازي والاستصناع والاستصناع الموازي والشركة (المشاركة) والشركات الحديثة والمضاربة والاعتمادات المستندية والأوراق التجارية وصكوك الاستثمار وبيوع السلم في الأسواق المنظمة والأوراق المالية (الأسهم والسندات) وعقود الامتياز والتأمين الإسلامي وإعادة التأمين والخدمات المصرفية في المصارف الإسلامية والتورق والغرر المفسد للمعاملات المالية والتحكيم والعوارض الطارئة على الالتزامات والتعاملات المالية بالإنترنت والحسابات الاستثمارية وتوزيع الربح وغيرها.

ثانيًا: فتاوى وقرارات وتوصيات الندوات والمجامع والملتقيات الفقهية. وهذه من الأهمية بمكان، حيث إن الاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يُعدُّ مَعْلَمًا من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يُعطي قوةً للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادرًا على مواجهة تطور الحياة العصرية.ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقًا لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد روى ميمون بن مهران: "أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر، كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قضاءً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمرٍ قضى به..." (سنن الدارمي 1/40).

ثالثـًا: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية وأحكامها الجزئية المستمدة من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب معين.فمن المعلوم أن الأحكام الشرعية عند جماهير العلماء جملةً وتفصيلاً متضمنة لمقاصدها وأغراضها، ومنطوية على مصالح الخلق وإسعادهم في الدارين، سواء أكانت هذه المقاصد حكمًا ومعاني جزئية تفصيلية، أم كانت مصالح ومنافع كلية عامة، أم كانت سماتٍ وأغراضًا كبرى تحيط بأبواب وأحكام شتى. (انظر الاجتهاد المقاصدي حجيته، د. نور الدين الخادمي ص5). لذا كان من الضرورة بمكان، معرفة مقاصد الشريعة لكل من يتصدى لدراسة المعاملات المالية المعاصرة، وأما قضية المذاهب الفقهية فيرى بعض الباحثين أن الواجب على هيئات الرقابة الشرعية أن تلتزم بالمذاهب الفقهية الأربعة، وأن لا تخرج فتاواها عنها، والذي أراه هو عدم الالتزام بمذهب فقهي معين، وإنما اختيار القول الذي يدعمه الدليل الصحيح والمتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، والموافق للقواعد والضوابط الفقهية التي تحكم نظام المعاملات المالية.

وخلاصة الأمر أن الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية أمر ضروري وهام، ولا تقوم البنوك الإسلامية إلا به، والرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية لها مرجعيتها، وإن اعتماد المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين، لأمرٌ جِدُ ضروري، لأنه يضبط معاملات البنوك الإسلامية، ويوحد الفتاوى الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية، ويقلل الخلافات بينها. وذات الأمر يُقال عن اعتماد الفتاوى والقرارات والتوصيات الصادرة عن المجامع والملتقيات الفقهية.

تاريخ الفتوى: 18-6-2010.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.