حكم شراء المساكن عن طريق شركات الرهن العقاري
أريد أن أشتري شقةً عن طريق شركة رهن عقاري، على أن تكون الشقة مرهونة للشركة حتى سداد القرض كاملاً، فما الحكم الشرعي لذلك؟
شركات الرهن العقاري تقوم بأعمالها على أساس الفوائد الربوية التي تتقاضاها، وتتم معاملاتها بالتعاون والاشتراك مع البنوك التجارية الربوية، وتهدف شركات الرهن العقاري إلى اعطاء فرصةٍ لذوي الدخل المحدود والمتوسط ليتملكوا شققاً سكنيةً بقروضٍ ربوية طويلة الأمد تصل إلى 25 عاماً أو أكثر، وقد ورد في التعليمات المنظمة لعمل شركات تمويل الرهن العقاري رقم (2) لسنة 2009 م الصادرة عن هيئة سوق رأس المال الفلسطينية وهي الجهة المشرفة على هذا القطاع ما يلي: المادة (24): يجوز توفير القروض لتمويل الرهن العقاري من خلال الآليتين التاليتين:
(1) التمويل المباشر للمقترض من قبل الشركة أو المصرف وتكون صفة الشركة أو المصرف في هذه الحالة مقرضاً أولياً ويسمى هذا السوق بالسوق الأولي.
(2) التمويل غير المباشر بحيث تقوم الشركة بإعادة تمويل المصرف أو مجموعة من المصارف أو شركات تمويل الرهن العقاري الأخرى العاملة في السوق الأولي. وتتم إعادة التمويل إما بالشراء أو بالإقراض ويسمى هذا السوق بالسوق الثانوي.
المادة (28): يجب على المقرض أن يلتزم بالنسب التالية عند تمويل الرهن العقاري:
(1) لا يجوز التمويل بأكثر من90 % من قيمة العقار.
(2) لا يجوز أن يزيد القسط الشهري مع خدمة الدين أي الفوائد الربوية عن 40% من صافي الدخل الشهري للمقترض وأن لا يتجاوز مجموع التزامات القروض والتسهيلات الكلية الشهرية المباشرة وغير المباشرة للمقترض عن 50% من صافي الدخل الشهري. http://muqtafi.birzeit.edu/pg/getleg.asp?id=16226
ويجب أن يُعلم أن معاملات شركات الرهن العقاري اكتنفتها عدة محرمات أولها: الربا (الفائدة) كما ورد على الموقع الإلكتروني لإحدى هذه الشركات (الفائدة هي تكلفة اقتراض النقود لفترة زمنية معينة، أي كلما زادت الفترة زادت التكلفة والعكس صحيح. تذكر عزيزي المقترض أنك لن تستطيع شراء منزل العمر إذا لم يتوفر لك التمويل الكافي في الوقت المناسب وهو ما توفره لك شركة الرهن العقاري. يتم تحديد سعر الفائدة وتجدد كل خمس سنوات، وتكون هذه الفائدة متناقصة على طول فترة القرض، أي أن الفائدة تحسب على الرصيد المتبقي من القرض وليس على أصل القرض. ورغم أن الفائدة تحسب بناءً على نسبة المخاطرة، إلا أن الفائدة المذكورة مناسبة للوضع الاقتصادي للمقترضين، وهذا ناتج من حرص الشركة على توفير التمويل بأقل تكلفة ممكنة). http://www.pmhc.com/main.php?id=4
وقد تبين من خلال دراسةٍ أعدها أحدُ الباحثين (أن الفوائد على القروض التي تتقاضاها شركات الرهن العقاري في بلادنا تبلغ 9% وللمقارنة فقط يتقاضى البنك الدولي على قروضه أقل من1 %. ويُخصص 4.25% من الفائدة التي يتم تقاضيها من الفلسطيني الغلبان لصالح شركة التأمين على القروض التابعة للشركة الأم، وتتقاضى البنوك من المواطن الغلبان ذاته 4% مقابل الخدمات التي تقدمها.
ومن أجل تقريب الصورة للمواطن، لنفترض أن مواطناً دخلُه الشهري خمسة آلاف شيكل أراد أن يشتري من خلال الرهن العقاري شقةً بأدنى سعرٍ ممكنٍ وهو ثمانين ألف دولار، فسيكتشف إذا قُدِّر له أن يحيا حتى نهاية سداد القرض، أنه دفع ضعف المبلغ الذي اقترضه، ناهيك عن استنزاف راتبه الشهري بالكامل، هذا إذا لم يضطر للاستدانة لتأمين متطلبات بقائه وأسرته على قيد الحياة، ذلك لأن قسط السداد الشهري لا يتضمن القسط الشهري مع فوائده العالية فحسب، بل يتضمن أيضاً ما يُسمَّى بقسط التأمين على الحياة وقسط تأمين العقار والتي لا تعود على المواطن بأية فائدة) الرهن العقاري بفلسطين ظاهرهُ الرحمةُ وباطنه العذاب. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2010/06/17/150367.html
ومن المعلوم أن تحريم الربا قطعي في شريعتنا وأذكر بعض النصوص الشرعية التي تحرم الربا والتعامل به: يقول الله تعالى: {} [البقرة:278-279].
وورد في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "" (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "" (رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/488).
وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه الحاكم وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/633).
وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه أحمد والطبراني وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/636).
وثانيها: التأمين على الحياة، وتأمينات تجارية أخرى، حيث تشترط شركات الرهن العقاري أن يقدم المقترض رزمةَ تأمينات، ومنها وثيقة تأمين على الحياة (توفير رزمة التأمينات الخاصة المتعلقة بالمقترض ومشارك المقترض (في حالة وجوده) التي هي عبارة عن تأمين على الحياة، تأمين ضد العجز بقيمة القرض، وكذلك تأمين على العقار بقيمة العقار، ضمن مواصفات وشروط خاصة يمكن الحصول عليها عن طريق شركات التأمين المعتمدة لدى الشركة، أو أي بديل مقبول لدى الشركة). http://www.pmhc.com/main.php?id=4
(يجب أن يتوفر لدى المقترض التأمينات التالية: تأمين على الحياة لا يقل عن قيمة القرض، وتعهد بتحويل المستحقات من الجهة الموظفة والتي لا تقل عن قيمة القرض إلى البنك المشارك في البرنامج والذي أُخذ القرض عن طريقه، والذي يتم الاستفادة منه في حالة التخلف عن السداد أو الوفاة.
تأمين على العقار بحيث لا يقل عن 100% من ثمن العقار من إحدى شركات التأمين المشتركة في البرنامج، حيث أن رسوم تأمين العقار معقولة). http://www.pmhc.com/main.php?id=10
ومن المعلوم أن التأمين التجاري بكافة صوره وأشكاله محرمٌ شرعاً عند أكثر العلماء المعاصرين، لاشتماله على الغرر المفسد للعقد، ولاشتماله على الربا وعلى المقامرة، ولاشتماله على شروطٍ باطلة، وقد صدرت قراراتٌ شرعيةٌ بتحريمه عن المجمع الفقهي الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعن هيئة كبار العلماء في السعودية، وعن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي وغيرها.
فقد ورد في قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1398هـ وفق 1978م ما يلي: (قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم 51بتاريخ 4/4/1397هـ من جواز التأمين التعاوني بدلاً عن التأمين التجاري المحرّم).
وقرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1406هـ وفق 1985م وجاء فيه ما يلي: (أولاً: إن عقد التأمين التجاري ذا القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقدٌ فيه غررٌ كبيرٌ مفسدٌ للعقد، ولذا فهو حرامٌ شرعاً).
إذا تقرر هذا فإن تملك البيوت والشقق السكنية أمرٌ هامٌ لكل شخص، ولكن لا يجوز أن يكون عن طريق شركات الرهن العقاري أو البنوك التجارية، وإنما بطرقٍ شرعية، كما ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي: (بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمالٍ حلالٍ، وإن الطريقة التي تسلكها البنـوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قلَّت أو كثرت، هي طريقة محرمة شرعاً لما فيها من التعامل بالربا.
ثانياً: هنـاك طرقٌ مشروعةٌ يُستغنى بها عن الطريقة المحرمة، لتوفير المسكن بالتملك (فضلاً عن إمكانية توفيره بالإيجار)، منها:
أ- أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن، قروضاً مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساط ملائمة بدون فائدة، سواء أكانت الفائدة صريحة، أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها، وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم 13(1/3) للدورة الثالثة لهذا المجمع.
ب- أن تتولى الدولة القادرة إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالأجل والأقساط بالضوابط الشرعية المبينة في القرار 51 (2/6) لهذه الدورة.
ج- أن يتولى المستثمرون من الأفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالأجل.
د- أن تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع -على أساس اعتباره لازماً- وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل جميع الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساطٍ يُتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم.
وخلاصة الأمر أن معاملات شركات الرهن العقاري اكتنفتها عدةُ محظوراتٍ أهمها: الربا-الفائدة- والتأمين على الحياة، والتأمين ضد العجز بقيمة القرض، وكذلك التأمين على العقار بقيمة العقار وكل ذلك من المحرمات شرعاً، وبناءً عليه يحرم شرعاً شراء البيوت والشقق السكنية عن طريق شركات الرهن العقاري، والبديل الشرعي ما أشرت إليه في قرار المجمع الفقهي، والواجب على البنوك الإسلامية في بلادنا أن تقدم البدائل الشرعية المطلوبة.
تاريخ الفتوى: 1-02-2013.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: