صلاة الجماعة في السفر

منذ 2013-06-04
السؤال:

هل فرضية صلاة الجماعة تسقط بحال السفر وكيف تُؤدى بوجود القصر؟

الإجابة:

صلاة الجماعة تسقط عن المسافر، وتجب إقامة الجماعة لِجَماعة المسافرين، فإذا كان المسافرون جماعة، وجَبَ عليهم إقامة الجماعة في مكانهم، ولا يُصلِّي كل واحد لِوحده، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسافر ويُقيم الجماعة في أصحابه، وسأل من تخلّف عن الجماعة عن سبب تخلّفه. فقد روى البخاري ومسلم من حديث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلا مُعْتَزِلا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ: "" فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلا مَاءَ". قَالَ: "". وفي رواية: "". هذا ما يخص جماعة المسافرين.

أما جماعة البلد فلا تجب على المسافر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسافر وما نُقِل عنه أنه قصد البحث عن الجماعة في البلد. قال الخرقي: "وَلا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلا عَبْدٍ، وَلا امْرَأَةٍ". قال ابن قدامة: "وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ". قَالَهُ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ فَلا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ، وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُصَلِّ جُمُعَةً، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِسِجِسْتَانَ السِّنِينَ، لا يُجَمِّعُونَ وَلا يُشَرِّقُونَ. وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ، يَقْصُرُ الصَّلاةَ، وَلا يُجَمِّعُ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَأَقَامَ أَنَسٌ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لا يُجَمِّعُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَهَذَا إجْمَاعٌ مَعَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ، فَلا يُسَوَّغُ مُخَالَفَتُهُ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن رسول الله كان يُسافِر أسفاراً كثيرة، قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته، وحجّ حجة الوداع ومعه ألوف مؤلفة، وغزا أكثر من عشرين غزاة، ولم يَنقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيدا، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره، ويوم الجمعة يُصلي ركعتين كسائر الأيام". اه. والله تعالى أعلم.

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة الرياض