الجمع بين حديث: ((إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)) وقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
يوجد حديث عند الإمام البخاري رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: « »، وحديث آخر عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ترفض هذا القول وتقول: حسبكم القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام الآية 164، والإسراء الآية 15، وفاطر الآية 18، والزمر الآية 7] فما جوابكم أثابكم الله عن هذه المسألة؟ هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أم أنه ليس للإنسان إلا ما سعى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؟
ليس هناك تعارض بين الأحاديث والآية التي ذكرتها عائشة رضي الله عنها، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة وغيرهما في الصحيحين وليس في البخاري وحده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، وفي رواية للبخاري: « »، والمراد بالبكاء النياحة وهي رفع الصوت، أما البكاء الذي هو دمع العين فهذا لا يضر، وإنما الذي يضر هو رفع الصوت بالبكاء، وهو المسمى بالنياحة، والرسول صلى الله عليه وسلم قصد بهذا منع الناس من النياحة على موتاهم، وأن يتحلوا بالصبر ويكفوا عن النوح، ولا بأس بدمع العين وحزن القلب، كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم: « »، فالميت يعذب بالنياحة عليه من أهله والله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه النياحة، وهذا مستثنى من قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، فإن القرآن والسنة لا يتعارضان، بل يصدق أحدهما الآخر ويفسر أحدهما الآخر، فالآية عامة والحديث خاص، والسنة تفسر القرآن وتبين معناه، فيكون تعذيب الميت بنياحة أهله عليه مستثنى من الآية الكريمة، ولا تعارض بينها وبين الأحاديث.
وأما قول عائشة رضي الله عنها فهذا من اجتهادها وحرصها على الخير، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على قولها وقول غيرها؛ لقول الله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [سورة الشورى الآية 10]، وقوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سورة النساء الآية 59]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والله الموفق.
عبد العزيز بن باز
المفتي العام للمملكة العربية السعودية سابقا -رحمه الله-
- التصنيف:
- المصدر: