العلم والإخلاص سلاح الدعوة إلى الله

منذ 2014-04-01
السؤال:

أرجو النصح والمشورة والتوجيه، أنا أحبُّ العمل في مجال الدعوة إلى الله (تدريس الدين، أو وظيفة دينية لها علاقة بالدين)؛ ولكن لا أملك العلم الكافي والشهادة الجامعية.

فقرَّرتُ أن أدرس في الجامعة بنظام الانتساب؛ لكي أحصل على وظيفة في هذا المجال (سواء مدرس أو في المحكمة)، فهل يعدُّ هذا العلمُ من العلم الذي جاء الحديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه: «من طلب علمًا يلتمس به ما عند الناس، لم يَرَح رائحة الجنة»؟

 

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رَسُول الله، وعلى آلِه وصَحْبه ومَن والاه، أمَّا بعْدُ:

فما ذكرتَه من حب العمل في مجالات الدعوة الإسلامية، من الأمور الحسَنَة التي نرجو لك الأجرَ عليها من الله –تعالى- وطلبُك الدراسةَ الشرعية من أجل تحقيق تلك الرغبةِ عملٌ صالح إذا تحققت النِّيَّة الصالحة في طلَب العلم؛ بمعنى: أن تقصد به وجْهَ الله -عزَّ وجل- ونفْع نفسك أولاً، وتنوير قلْبك، وتحْلية باطنك، ثم تقصد نفع الناس وتعليمهم، والعمل بما علمت، وإحياء الشريعة، فلا تقصد بالدراسة الوظيفة ابتداء، وإلا كان التعلُّم للدنيا، وهذا لا يعارض مشروعية أخذ الأجر على الشرعيات؛ فمن تعلَّم لله، ثم علَّم العلم وأخذ راتبًا عليه، حلَّ له ذلك.

فأولُ العلم النِّيَّة الحسنة، فلا يُقصَد به الأغراض الدنيوية؛ مِنْ تحصيل الرِّياسة، أو الجاه، والمال، أو مباهاة الأقران، أو تعظيم الناس، أو التصدير في المجالس، أو نحو ذلك، وإن أتى كلُّ ذلك تبعًا لا قصدًا، لكن طالب العلم لا يقصده ابتداء، وإن قصده حبط عملُه؛ فالعلم عبادة وقُربة؛ بل هو أعظم من صلاة النافلة وقيام الليل؛ لأنَّ فضلَه مُتَعدٍّ إن صلَحتْ النية.

قال -صلى الله عليه وسلم-: «من طلب العلم ليُبَاهِيَ به العلماء، أو ليُمَارِي به السفهاء، أو ليصرف به وجوهَ الناس إليه، فله من عمله النار»؛ (رواه ابن ماجه عن ابن عمر)، وفى الحديث الآخر: «من طلب علمًا مما يُبتغَى به وجه الله، لا يطلبه إلا ليصيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام»؛ (رواه احمد وأبو داود، عن أبي هريرة) .

والحاصل أن إخلاص القلب هو الأصل، كما في حديث النعمان بن بشير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن في الجسد مُضْغَةً، إذا صلَحتْ صلح لها سائرُ الجسد، وإذا فسدتْ فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب» (متفق عليه)؛ فصلاحه وفساده يستلزم صلاح الجسد وفساده، ومن ثمّ صلاح العمل أو فساده.

قال أبو هريرة: القلب ملك الأعضاء، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابتْ جنودُه، وإذا خبُث خبثتْ جنودُه.

قال أبو عبدالله ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": "فطلَبُ العلم من أفْضل الحسنات، والحسناتُ يُذهبْن السيئات، فجديرٌ أن يكونَ طلبُ العلم ابتغاءَ وجه الله يُكَفِّر ما مضى من السيئات، فقد دلَّت النصوص أنَّ إِتْبَاع السيئةِ الحسنةَ تمحُوها، فكيف بما هو مِن أفضل الحسنات، وأجَلِّ الطاعات؟!

وقد رُوي عن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إنَّ الرجل لَيَخْرُج مِنْ منْزله وعليه من الذنوب مثل جبال تِهامة، فإذا سمع العلم، خاف ورجع وتاب، فانصرف إلى منْزله وليس عليه ذنبٌ، فلا تفارقوا مجالسَ العلماء".

وقال أيضًا: "إنَّ العالم المُشتغلَ بالعلم والتعليم لا يزال في عبادة، فنَفسُ تعلُّمِه وتعليمه عبادة، قال ابن مسعود: "لا يزال الفقيهُ يُصلِّي، قالوا: وكيف يُصلِّي؟ قال: ذِكْرُ اللهِ على قلبه ولسانه"؛ ذَكَرَهُ ابن عبدالبر.

وفي حديث معاذ مرفوعًا وموقوفًا: "تعلَّمُوا العلْم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خَشْية، وطلَبُه عبادة، ومُذاكرته تسبيح"، والصواب أنه موْقوف.

وقال ابن وهْب: "كنتُ عند مالِك بن أنس، فحانتْ صلاةُ الظهر أو العصر وأنا أقْرأ عليه، وأنْظُر في العلم بين يديه، فجمَعْتُ كُتُبي وقمْتُ لأرْكع، فقال لي مالِكٌ: ما هذا؟ فقلتُ: أقوم إلى الصلاة، فقال: إن هذا لعَجَب! ما الذي قمتَ إليه أفضلَ منَ الذي كنتَ فيه، إذا صحَّتْ فيه النيةُ".

وقال الرَّبيع: "سمعتُ الشافعي يقول: طلَبُ العلم أفْضَل منَ الصلاة النافلة".

وقال سفيانُ الثوري: "ما مِنْ عَمَلٍ أفْضل مِنْ طلَب العلم إذا صحَّتْ فيه النيَّة".

وقال رجل للمُعافَى بن عمران: "أيُّهما أحب إِلَيْك؛ أقوم أُصَلِّي الليل كله، أو أكْتُب الحديث؟ فقال: حديث تكتبه أحبُّ إليَّ مِنْ قيامك مِن أول اللَّيْل إلى آخره".

وقال أيضًا: "كتابة حديثٍ واحد أحبُّ إليَّ مِنْ قيام ليلة".

وقال ابن عباس: "تذاكُرُ العلمِ بعضَ ليلة أحب إليَّ مِنْ إحيائها".

وفي مسائل إسحاق بن منصور: "قلتُ لأحمد بن حنبل: قولُه: تذاكُرُ العلمِ بعضَ ليلةٍ أحب إليَّ مِنْ إحيائها؛ أيَّ علمٍ أراد؟ قال: هو العلمُ الذي ينتفع به الناس في أمرِ دينهم، قلتُ: في الوضوء، والصلاة، والصوم، والحج، والطلاق، ونحو هذا؟ قال: نعم".

قال إسحاق: "وقال لي إسحاق بن راهوَيْه: هو كما قال أحمد".

وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لأن أجْلِس ساعةً فأَتَفَقَّه في ديني أحبُّ إليَّ مِنْ إحياء ليلةٍ إلى الصباح".

وقال محمد بن علي الباقر: "عالِمٌ يُنتفَعُ بعِلْمِه أفضل من ألْف عابد"، وقال أيضًا: "روايةُ الحديث وبثُّه في الناس أفضل مِنْ عِبادة ألْفِ عابدٍ".

ولَمَّا كان طلبُ العلم، والبحثُ عنه، وكتابتُه والتفتيشُ عليه من عمَل القلْب والجوارح، كان مِن أفضل الأعمال، ومنزلتُهُ مِنْ عمَل الجوارح كمنزلة أعْمال القلْب من الإخلاص والتوَكُّل، والمحبَّة والإنابة، والخشية والرضا، ونحوها من الأعمال الظاهرة". اهـ موضع الحجة منه مختصرًا.

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام