زكاة المال المستفاد

منذ 2014-05-14
السؤال:

رجل والده قد توفي وبعد توزيع الميراث كان نصيبه مبلغاً كبيراً من المال فهل تجب الزكاة في هذا المبلغ حالاً أم أنه يزكيه مع أمواله الأخرى في وقت زكاتها وهو شهر رمضان القادم، أفيدونا؟

الإجابة:

هذه المسألة تسمى عند الفقهاء مسألة زكاة المال المستفاد، وهو المال الذي يملكه المكلف بالزكاة أثناء الحول، وهو على نوعين: الأول هو ربح مالٍ أصله عند المكلف، كمن عنده مال تتحقق فيه شروط الزكاة وتاجر به فربح عشرة آلاف دينار، فهذا لا خلاف بين أهل العلم أن زكاته عند زكاة أصله.

والنوع الثاني من المال المستفاد هو ما ملكه المكلف بالزكاة أثناء الحول وليس ناتجاً عن مال لديه، كما ذكر السائل أنه ورث مبلغاً كبيراً من المال من أبيه، ومثل ذلك من حصل على جائزة مالية أو هبة وكذا مكافأة نهاية الخدمة أو ما توفر من راتبه عند مشغله ونحو ذلك، وهذا النوع من المال المستفاد وقع فيه خلاف بين الفقهاء، فبعضهم أوجب فيه الزكاة عند قبضه وبدون اشتراط حولان الحول عليه.

وأما جمهور الفقهاء فيرون أنه لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول وهذا القول هو الراجح والذي تؤيده الأدلة القوية، قال ابن رشد القرطبي المالكي: [وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول، لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة، ولانتشاره في الصحابة رضي الله عنهم، ولانتشار العمل به ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعاً من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار وليس فيه في الصدر الأول خلاف إلا ما روي عن ابن عباس ومعاوية وسبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت] بداية المجتهد 5/78-79. وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأما الذهب والوَرِق فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضاً، وعلى هذا جمهور العلماء، والخلاف فيه شذوذ ولا أعلمه إلا شيء روي عن ابن عباس ومعاوية أنهما قالا: من ملك النصاب من الذهب والوَرِق وجبت عليه الزكاة في الوقت. وهذا قول لم يعرج عليه أحدٌ من العلماء ولا قال به أحدٌ من أئمة الصحابة، ولا قال به أحدٌ من أئمة الفتوى إلا رواية عن الأوزاعي…] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك 5/20.

وذكر الحافظ ابن عبد البر أيضاً أن القول باشتراط الحول في الزكاة عليه جماعة الفقهاء قديماً وحديثاً، لا يختلفون فيه أنه لا يجب في مال من العين، ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا ما روي عن ابن عباس وعن معاوية أيضاً … ولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بقول معاوية وابن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي … وعقب الحافظ ابن عبد البر بقوله: [هذا قول ضعيف متناقض] انظر الاستذكار 9/32-33. والقول باشتراط الحول في الزكاة قال به الأئمة الأربعة، وثبت ذلك عن الخلفاء الأربعة وهو قول مشهور بين الصحابة وعملوا به وهذا الانتشار لا يجوز إلا أن يكون عن توقيف كما قال العلامة ابن رشد، بداية المجتهد 5/78. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام مؤيداً اشتراط الحول: [فقد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا] كتاب الأموال ص 505.

وحديث ابن عمر رضي الله عنه الذي ذكره ابن رشد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني وغيرهم). وقد ورد بهذا اللفظ ونحوه عن جماعة من الصحابة، وهذه الأحاديث فيها كلام طويل لأهل الحديث، لا يتسع المقام لإيراده، والصحيح أنها تصلح للاستدلال بمجموع طرقها، بل إن بعض طرقها صحيح أو حسن. قال الشيخ أحمد الغماري بعد أن تكلم على أسانيد هـذه الأحاديث: [… إلا أن مجموع هذه الأحاديث مع حديث علي الذي هو حسن يصل إلى درجة المعمول به لا سيما مع تواتر ذلك عن الصحابة كما قال أبو عبيد في الأموال: قد تواترت الآثار عن علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا ثم أسند ذلك عن علي وابن عمر وأبي بكر وعثمان وابن مسعود وطارق بن شهاب وفي مصنف ابن أبي شيبة زيادة أبي بكرة وعائشة وبعض ذلك في الموطأ كأثر ابن عمر وعثمان] الهداية في تخريج أحاديث البداية 5/84-86. وحديث علي رضي الله عنه الذي أشار إليه الشيخ الغماري هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا من الرقة ربع العشر من كل مئتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار وليس في مئتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول ففيها خمسة دراهم … الخ» (رواه أبو داود والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/296). وكذلك فإن الشيخ الألباني صحح حديث ابن عمر المذكور بمجوع طرقه وذكر أن حديث علي رضي الله عنه السابق يقويه فقال: [ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى بسند صحيح عن علي رضي الله عنه خرجته في صحيح أبي داود فصح الحديث والحمد لله] إرواء الغليل 3/258. وقـال الإمـام الزيلعي عن حديث علي المذكور: [… فالحديث حسن… قال النووي رحمه الله في الخلاصة وهو حديث صحيح أو حسن] نصب الرايـة 2/328. وقال الحافظ ابن حجر: [… حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده فيصلح للحجة والله أعلم] التلخيص الحبير 2/156. وقال الحافظ أيضاً: إنه حديث حسن. بلوغ المرام ص 121. كما أن الحافظ العراقي قد جوَّد إسناد حديث علي رضي الله عنه كما في إتحاف السادة المتقين 4/16. وقال الإمام الشوكاني بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في اشتراط الحول: [ومجموع هذه الأحاديث تقوم به الحجة في اعتبار الحول] السيل الجرار 2/13. والمسألة فيها كلام طويل للعلماء المتقدمين والمعاصرين لا يتسع له المقام، ولكن أكثر المجامع العلمية المعاصرة اختارت قول الجمهور واختار الدكتور القرضاوي الرأي الآخر وهو ضعيف كما ذكرت.

إذا تقرر أن الراجح أنه لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول، فهنالك طريقتان في ذلك: الأولى أن صاحبه يستقبل به الحول ولا يضيفه إلى أمواله الأخرى فإذا حال عليه الحول زكَّاه، وأما الطريقة الثانية فهي أن يضيف المال المستفاد إلى بقية أمواله فيزكيه معها وإن لم يحل الحول على المال المستفاد، وهذه الطريقة فيها تسامح من المالك لأنه يغلب حق الفقير كما أنها أسهل في الحساب. وهذه الطريقة أحسن وأولى.

وخلاصة الأمر أن المال المستفاد لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، فهذا المال الذي ورثه السائل عن أبيه يضيفه إلى أمواله الأخرى فيزكي الجميع عند حلول الحول وهو شهر رمضان القادم، وإن لم يكن عنده مال سواه، استقبل به الحول ويزكيه عند تمام الحول. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.