القتل على خلفية شرف العائلة

منذ 2014-05-23
السؤال:

ما قولكم فيما يسمى بالقتل على خلفية شرف العائلة وهل يجوز للأب أو الأخ قتل ابنته أو أخته الزانية مع العلم أنه قد يقع القتل بمجرد الشك في سلوك الفتاة ودون إثبات لواقعة الزنا؟

الإجابة:

الجواب: لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب ومن الجرائم الاجتماعية الفظيعة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [سورة الإسراء الآية 32].

قال الإمام القرطبي: [قال العلماء، قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} أبلغ من أن يقول ولا تزنوا فإن معناه لا تدنوا من الزنا] تفسير القرطبي 10/253.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى من صفات عباد الرحمن ترك الزنا فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [سـورة الـفـرقان الآيتان 68-69].

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة التحذير من الزنا وبيان ضرر الزنا فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (رواه البخاري ومسلم).

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة» (رواه البخاري)، وما بين لحييه أي اللسان وما بين رجليه أي فرجه.

وورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله» (رواه البخاري ومسلم). وغير ذلك من الأحاديث.

وقد قرر الإسلام عقوبة للزاني المحصن ”المتزوج” وللزاني غير المحصن قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِـرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور الآية 2].

وهذه الآية في حق الزانية والزاني غير المحصنين وعند جمهور الفقهاء يغرب الزاني لمدة عام بعد الجلد لما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعـل الله لهن سبيـلاً البكر بالبكر جلد مئـة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مئة والرجم» (رواه مسلم)، ويرى بعض أهل العلم أن التغريب خاص بالزاني الرجل دون المرأة.

وأما الزانيان المحصنين فعقوبتهما الرجم لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز عندما اعترف بالزنا وكــان محصنـاً فقال عليه الـصـلاة والسـلام: «اذهبوا به فارجموه» (رواه مسلم). وغير ذلك من النصوص.

إذا ثبت هذا فإن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة بأمر الإمام ولي أمر المسلمين وليس من اختصاص الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو غيرها.

قال الشيخ عبد القادر عوده رحمه الله تحت عنوان ”من الذي يقيم الحدّ”: [من المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز أن يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه لأن الحدّ حق الله تعالى ومشروع لصالح الجماعة فوجب تفويضه إلى نائب الجماعة وهو الإمام ولأن الحدّ يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن في استيفائه من الحيف والزيادة على الواجب فوجب تركه لولي الأمر يقيمه إن شاء بنفسه أو بواسطة نائبه وحضور الإمام ليس شرطاً في إقامة الحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير حضوره لازماً فقال: اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وأمر عليه الصلاة والسلام برجم ماعز ولم يحضر الرجم وأتي بسارق فقال: اذهبوا به فاقطعوه. لكن إذن الإمام بإقامة الحدّ واجب، فما أقيم حدّ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه وما أقيم حدّ في عهد الخلفاء إلا بإذنهم] التشريع الجنائي الإسلامي 2/444.

وجاء في الموسوعة الفقهية: [اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدّ إلا الإمام أو نائبه وذلك لمصلحة العباد وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم والإمام قادر على الإقامة لشوكته ومنعته وانقياد الرعية له قهراً وجبراً كما أن تهمة الميل والمحاباة والتواني منتفية عن الإقامة في حقه فيقيهما على وجهه فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبي e كان يقيم الحدود وكذا خلفاءه من بعده] 17/144-145.

ومما يدل على أن تنفيذ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة ممثلة بالإمام أو من يقوم مقامه قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [سورة النور الآية 2].

قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: [لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر الإمام ومن ناب منابه] تفسير القرطبي 12/161.

وبناء على ما سبق لا يجوز لشخص مهما كان أن يتولى تنفيذ العقوبات الشرعية بنفسه سواء أكان أباً أو أخاً أو عمّاً أو خالاً أو غير ذلك فلا يجوز لهؤلاء أن يقتلوا من تتهم بالزنا لتطهير شرف العائلة كما يدعون.

وهنا لا بد من بيان عدة أمور:

أولاً: إن الزنا يثبت بأحد أمور ثلاثة: الشهادة والإقرار والقرائن.

وقد شدد الإسلام في قضية الشهادة على الزنا واشترط أربعة شهود، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [سورة النساء الآية 15].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثمَانِينَ جَلْدَةً} [سورة النور الآية 4].

والشهادة في الزنا لها شروط مفصلة مذكورة في كتب الفقه، ولا بد في الإقرار من أن يكون مفصلاً مبيناً كما في قصة ماعز، والقرائن لا بد أن تكون صحيحة ومعتبرة عند العلماء حتى يثبت الزنا. انظر الموسوعة الفقهية 24/37 فما بعدها.

ثانياً: إن كثيراً من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تكون الفتاة فيها مظلومة ظلماً شديداً فقد تقتل لمجرد الشك في تصرفاتها ولا يكون زناها قد ثبت فعلاً أو تكون قد ارتكبت مخالفة أقل من الزنا غير موجبة للحد وإنما توجب التعزير فقط.

ثالثاً: ورد في بعض النصوص الشرعية جواز قتل الزناة حال تلبسهم بالجريمة فقط فقد ورد في الحديث أن سعد بن عبادة قال: «لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير منا» (رواه البخاري).

ومعنى قوله: (لضربته بالسيف غير مصفح) أي أضربه بحد السيف لأقتله لا بعرض السيف تأديباً.

وورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه كان يوماً يتغذى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم ووراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتى جلس مع عمر فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا. فـقـال له عـمـر: ما يقولون؟ قال: يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعد) فقه عمر 1/334.

وبناءاً على ذلك قال جمهور الفقهاء يجوز للزوج أن يقتل رجلاً شاهده مع زوجته متلبساً بجريمة الزنا سواء أكانت الزوجة مطاوعة أو مكرهة ودم المتلبس بالجريمة هدر إن ثبت ذلك عند القاضي بالشهادة أو بـالإقرار. انظر فقه عمر 1/337-338.

وهذا القتل قال الفقهاء إنه يكون في حالة ضبط الزاني متلبساً بجريمته لأن الزوج في هذه الحالة يكون في حالة غضب شديد جداً.

رابعاً: إن كثيراً من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تقع بعد حصول حادثة الزنا بفترة طويلة وغالباً ما تكون بعد أن تظهر على الفتاة علامات الحمل من الزنا وفي مثل هذه الحالات تكون الفتاة بكراً فلا يجوز قتلها لأن عقوبتها الشرعية ليست القتل ولو كانت متزوجة فلا تقتل لأن تنفيذ العقوبة كما سبق من اختصاص إمام المسلمين وليس الأمر للزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم.

خامساً: إن الآباء والأمهات والأخوة يتحملون جزءاً من المسؤولية عن وقوع ابنتهم في الفاحشة فالواجب هو تحصين البنات والشباب وتربيتهم تربية صحيحة وسد المنافذ التي تؤدي إلى وقوعهم في الفحشاء والمنكر فإن الوقاية خير من العلاج.

خامساً: إذا تم قتل الفتاة الزانية غير المحصنة فإن قاتلها يتحمل مسؤولية قتلها وينبغي أن يعاقب العقوبة الشرعية إلا إذا وجد مانع من ذلك كالأبوة فهي مانعة من القصاص عند جماهير أهل العلم. والمسألة فيها تفصيل لا يحتمله المقام. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.