الوسواس القهري: ماهيته - علاجه

منذ 2014-06-15
السؤال:

ماهو الوسواس القهري؟ وما علاجه؟ أقصد وسوسة الماء والنجاسة والوسوسة عند الصلاة وإعادة الصلاة والوضوء وتكرار الآيات في الصلاة؟

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:‏

فإن الوسواس القهري مرض يعتري الشخص، يأتي له بصورة أفعال وأفكار تتسلط على ‏المريض وتضطره لتكرارها، وإذا لم يكرر الفعل أو يتسلسل مع الفكرة يشعر المريض بتوتر‏‏، ولا يزول هذا التوتر إلا إذا كرر الفعل، وتسلسل مع الفكرة. وبعد أن يتطاوع الوسواس يعاوده ‏الدافع للفعل ثانية. ولا يزول المرض بهذا بل يتمكن منه.‏
‏ فهو إذاً المبالغة الخارجة عن الاعتدال، فقد يفعل الأمر -مكرراً له- حتى يفوت المقصد منه، مثل أن ‏يعيد الوضوء مراراً حتى تفوته الصلاة، أو يكرر آية، أو نحو ذلك حتى يسبقه الإمام بركن أو أكثر، ‏وقد يتمكن منه الوسواس فيترك العمل بالكلية، وهذا هو المقصد الأساس من تلك الوسوسة.‏
الشيطان له الدور الأكبر في الوسوسة، فعن ابن عباس رضي عنهما قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه -يعرِّضُ بالشيء- لأن يكون حممة أحب من أن يتكلم به" فقال: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الحمد ‏لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» (رواه أحمد وأبو داود).
وقد يكون لعوامل أُخَر دور في إصابة المرء ‏بالوسوسة كعامل نفسي أو تربو ي أو شيء حدث أو موقف كان له أثر قوي في نفسه من أمر ‏ما. (وفي مثل هذه الحالة يعرض الشخص المريض على طبيب نفسي مسلم).‏
ولتغلب العبد على الوسواس الذي يصيبه في عبادته و أفكاره عليه أن يصدق في الالتجاء إلى الله ‏تعالى ويلهج بالدعاء والذكر ليكشف عنه الضر ويدفع عنه البلاء، وليطمن قلبه. قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}. [ النمل:62]‏
وقال تعالى:  {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]
ومما ‏يندفع به الوسواس الاستغفار، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: «إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشطيان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، ‏وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن ‏وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء} [البقرة:268]. (‏رواه الترمذي).
وعن عثمان بن أبي العاص قال: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي ‏وقراءتي يلبسها علي"؛
‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، ‏واتفل عن يسارك ثلاثاً». قال: "ففعلت ذلك فأذهبه الله عني" (رواه مسلم).‏
وغرض الشيطان من تلك الوسوسة -كما بينها حديث عثمان- أن يلبس على العبد صلاته ‏ويفسدها عليه، وأن يحول بينه وبين ربه، فيندفع هذا الكيد بالاستغفار والاستعاذة.‏
‏ قال ابن القيم: "ولما كان الشيطان على نوعين : نوع يرى عياناً وهو شيطان الإنس، ونوع لا يرى ‏وهو شيطان الجن، أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس ‏بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ومن شيطان الجن بالاستعاذة بالله منه" أ.هـ
قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ‎[ الأعراف : 200) قال ابن ‏كثير في تفسيره: "فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه ‏عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده" اهـ
‏ ومن الأمور النافعة -كذلك في علاج الوسوسة استحضار القلب والانتباه عند الفعل وتدبر ما ‏هو فيه من فعل أو قول، فإنه إذا وثق من فعله وانتبه إلى قوله وعلم أن ما قام به هو المطلوب منه ‏كان ذلك داعياً إلى عدم مجاراة الوسواس، وإن عرض له فلا يسترسل معه لأنه على يقين من أمره ‏ومن ذلك في الوضوء مثلاً: أن يتوضأ من إناء فيه قدر ما يكفي للوضوء بلا زيادة، ويجاهد نفسه أن ‏يكتفي به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بأقل منه. وفي باب التطهر من النجاسة ‏‏يحاول رش المحل الذي يعرض له فيه الوسواس بالماء، ويقنع نفسه أن ما يجده من بلل هو من أثر ‏الماء لا من البول. وفي الصلاة يجتهد في متابعة الإمام، حتى ولو خيل إليه أنه لم يأت بالذكر المطلوب‏‏، وإذ قرأ الإمام ينصت له، ويقرأ معه الفاتحة إن كان ممن يرى وجوب قراءتها على المأموم في الصلاة ‏الجهرية‎…‎‏ وهكذا يحاول اتخاذ حلول عملية، يدرب نفسه عليها شيئاً فشيئاً. والله أعلم، وهو ‏الكاشف لكل ضر والرافع لكل بلوى.‏

الشبكة الإسلامية

موقع الشبكة الإسلامية