إذا رؤي الهلال في بلد ولم ير في آخر

منذ 2014-06-18
السؤال:

كنت مارا بمنطقة حدودية وكانت تفصل بين مركزي نقطتي الحدود 500 متر فقط. كان أعوان أحد المراكز مفطرا وكان أعوان المركز المقابل صائما في رمضان.
سألت هل هذا معقول فقيل لي اختلاف مطالع فلم أقتنع لأنه أيام الاستعمار كان هذان المركزان يصومان ويفطران معا. أفيدونا أنعم الله عليكم؟
 

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإذا كان كل من البلدين يصومان ويفطران وفق رؤية الهلال الشرعية فالأمر سهل إن شاء الله، وهذه المسألة من مسائل الاجتهاد والتي كثرت فيها أقوال العلماء وانتشرت، فمنهم من رأى أن رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلاد وهو قول الجمهور، ومنهم من رأى اعتبار اختلاف المطالع، ومنهم من رأى اعتبار اختلاف الأقاليم، ومنهم من يرى أنه إن ثبتت الرؤية عند ولي الأمر لزم الصوم كل رعيته لأن البلاد بالنسبة له كالبلد الواحد.
قال الحافظ رحمه الله في بيان الخلاف في هذه المسألة ما ملخصه: قد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب: أحدها: لأهل كل بلد رؤيتهم وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له -ويأتي لفظ الحديث - وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه.
ثانيها مقابله: إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية لكن حكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه، وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس. وقال ابن الماجشون لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الامام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان. وفي ضبط البعد أوجه أحدها اختلاف المطالع، صححه النووي في شرح مسلم.
ثالثها: اختلاف الأقاليم.
رابعها حكاه السرخسي فقال: يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بل عارض دون غيرهم.
خامسها: قول ابن ماجشون المتقدم. انتهى.

وحديث ابن عباس الذي يشهد للقول الأول أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، فقال: فَقَدِمتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجتَها واستُهِلَ عَلَيَّ هِلالُ رَمضَانَ وأَنا بالشَّامِ فرأَيْنَا الهِلالَ لَيلَةَ الجُمعَةِ، ثُمَّ قَدِمتُ المدينةَ في آخرِ الشَّهرِ فَسَأَلنِي ابنُ عبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: متَى رأَيتُم الهِلالَ؟ فَقُلتُ: رأَينَاهُ لَيلَةَ الجُمعَةِ، فَقَالَ: أَنتَ رَأْيتُهُ لَيلَةَ الجُمعَةِ؟ فَقُلتُ رَآهُ النَّاسُ فَصَامُوا وصَامَ مُعَاويَةُ، فَقَالَ: لكِنْ رأْينَاهُ لَيلَةَ السَّبتِ فلا نَزَالُ نَصُومُ حتَّى نُكمِلَ ثلاثينَ يوماً أَو نَرَاهُ، فَقُلتُ أَلا تَكتَفِي برُؤيَةِ مُعَاويَةَ وصِيَامِهِ؟ قَالَ: لا هَكَذَا أَمرَنا رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإنما سقنا لك ما مر لتعلم أن المسألة من مسائل الاجتهاد وأن الخلاف فيها بين العلماء قديم، فمن ظهر له رجحان أحد الأقوال أو قلد ثقة يفتي بأحدها من أهل العلم فلا تثريب عليه.
والله أعلم.
 

الشبكة الإسلامية

موقع الشبكة الإسلامية