درجات المجاهدين يوم القيامة
سؤالي بخصوص حديث: قال صلى الله عليه وسلم: «الألباني. المصدر: تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 3782، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح، يتضح من هذا الحديث التفاضل بين المؤمن الأول والثاني، فليست منزلة الأول كالثاني حتى وإن كان الثاني وعد بأن تمحى خطاياه، فما الفرق بين المؤمن الأول والثاني، إذ إن كل ابن آدم خطاء؟ وليس هناك مؤمن ولا إنسان إلا وخلط عملًا صالحًا، وآخر سيئًا، إلا من عصمه الله تعالى من ذلك، فهل يقصد بالذي خلط العمل الصالح والسيئ أنه من قتل، ونال الشهادة وهو لازال قائمًا على الذنوب لم يتب منها؟ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له؟ وهل هذا العمل السيئ يقصد به الكبائر مثلًا دون الصغائر؟ وكيف يحرص الإنسان على أن يكون من الصنف الأول ـ الشهيد الممتحن ـ إذا اقترف من الذنوب والخطايا شيئًا كثيرًا؟ أي: هل هناك ما يفعله غير التوبة؟ وهل يمكن أن يقصد في الحديث أن المؤمن الذي اقترف الذنوب والخطايا، أو خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا أنه لا أمل له في الوصول لدرجة الشهيد الممتحن، وإن فعل ما فعل، أو حتى وإن تاب؟ وهل هناك شرح لهذا الحديث في الكتب يمكن أن تدلوني عليه.
وجزاكم الله تعالى خيراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فالحديث المذكور رواه أحمد، وابن حبان، والدارمي في سننه، وصححه الألباني، وحسنه الأرناؤوط في صحيح ابن حبان وضعفه حسين سليم أسد في تحقيقه سنن الدارمي، وأما عن المجاهدين المذكورين فيه: فكلاهما قام في قلبه من الإيمان ما دفعه إلى بذل ماله، ونفسه، فلم يُبق شيئاً، وهذه منزلة عظيمة، ففي البخاري عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ».
وأما الفرق بين الأول، والثاني: فالثاني مع بذله المال، والنفس، لكن خرج للجهاد مع خطايا لم يتب منها، كما في رواية ابن حبان: « ».
قال ابن الأثير في النهاية: قَرَف الذنْبَ واقْتَرفَه إِذَا عَمِله، ولم يُذكر ذلك في الأول، فدل على عدم إصراره على شيء من الكبائر، وقد يكون فعل شيئاً ثم تاب، إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وخيار الصحابة كانوا كفاراً قبل إسلامهم، ولكن لما أسلموا جبّ الإسلام ما قبله، وكذا التوبة تجُب ما قبلها، فيمكن للإنسان أن يكون من الأولين إذا تاب من ذنوبه التي ارتكبها توبة نصوحاً، والظاهر أن المذكورات كبائر مع الصغائر، لأنها مع كونها لا يسلم منها أحد، إلا أنها تقع مكفرة باجتناب الكبائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31].
وروى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
قال ابن رجب في شرح حديث لبيك اللهم لبيك: والذنب والخطيئة مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب أَو مُتحد، وَقد يُرَاد بِأَحَدِهِمَا الصَّغَائِر وبالآخر الْكَبَائِر.
وقال ابن حجر في الفتح: في الكلام على الحدود هل هي كفارة أم لا: ومعلوم أن ما يترتب عليه الحد كبيرة، كالسرقة والزنا... فَإِنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا تُكَفَّرُ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِالْقَتْلِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلْخَطَايَا ـ وَعَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ مَحَا كُلَّ شَيْءٍ ـ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوُهُ، وَلِلْبَزَّارِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: لَا يَمُرُّ الْقَتْلُ بِذَنْبٍ إِلَّا مَحَاهُ ـ فَلَوْلَا الْقَتْلُ مَا كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ، وَأَيُّ حَقٍّ يَصِلُ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا؟
وقال الملا علي القاري في المرقاة: مَحَتْ ذُنُوبَهُ وَخَطَايَاهُ، إِنَّ السَّيْفَ مَحَّاءٌ ـ أَيْ: كَثِيرُ الْمَحْوِ لِلْخَطَايَا: أَيِ: الصَّغَائِرِ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ: فَتَحْتَ الْمَشِيئَةِ، لَكِنْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: « ».
وقد شرح الملا علي القاري الحديث في مرقاة المفاتيح برقم: 3859، وبين ابن قتيبة بعض معانيه في غريب الحديث: 1ـ 413ـ فراجعه.
والله أعلم.
الشبكة الإسلامية
موقع الشبكة الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: