الموازنة بين الرباط والجهاد

منذ 2014-11-17
السؤال:

ما مدى صحة هذه الرواية، ومدى صحة محتواها، وهل إذا كان من الممكن الأخذ بها تفيد أن الرباط أفضل من الجهاد؟ رؤيا الجهاد: حدثنا محمد بن شاذان، قال حدثني محمد بن سليمان، عن الحسن بن علاء، عن حسام بن محمد بن مطيع المقدسي، عن سعيد بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله؛ مسألة، «قال هاتها»، قلت الجهاد أفضل أم الرباط؟ فقال عليه السلام: «الرباط، رباط يوم وليلة، خير من عبادة ألف سنة». قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله». وقد وردت تحت "حلم رؤيا الجهاد" في تفسير ابن سيرين للأحلام.
وجزاكم الله تعالى خيراً.
 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن كتاب تفسير الأحلام المنسوب لابن سيرين ليس من تأليف ابن سيرين؛ كما هو واضح لمن نظر في هذا السند الطويل الذي لا يصح أن يكون سندا لرجل من التابعين، ولكنه من تأليف العالم الفقيه الشافعي عبد الملك بن محمد الخركوشي النيسابوري المعروف بـ : أبي سعد الواعظ، المتوفى سنة 407.
ثم إن الرؤيا ليست بمصدر شرعي يعتمد عليه، وتبنى عليه الأحكام، وتثبت به الفضائل، بل لا بد من عرضها على ما ثبت في السنة النبوية.
فقد حكى الإمام النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قوله: لا يبطل بسببه -أي المنام- سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء.
وقال النووي: وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم، فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. انتهى.
وقال النووي أيضاً في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان، لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره. انتهى.
ولا شك أن أجر الرباط عظيم؛ وقد ثبت في فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم:  «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان» (رواه مسلم في صحيحه من حديث سلمان رضي الله عنه).
قال النووي في شرح مسلم: هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة.
والحديث الذي أشار إليه النووي رواه الترمذي من حديث فضالة بن عبيد، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
وقد روى ابن ماجه حديثا يفيد أنه أفضل من ألف سنة. ونصه: لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين، محتسبا، من غير شهر رمضان، أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين، محتسبا، من شهر رمضان، أفضل عند الله وأعظم أجرا- أراه قال- من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها. فإن رده الله سالما، لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة. اهـ.
ولكن هذا الحديث جزم الشيخ الألباني في الضعيفة بأنه موضوع.
ثم إنه لا تعارض بين الرباط والجهاد، فالرباط من الجهاد، والمرابط مجاهد؛ فقد روى الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكا ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر. فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان» (والحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (وسن رباط) نص عليه؛ لحديث سلمان، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان» (رواه مسلم). وعن فضالة بن عبيد مرفوعا: «كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن من فتان القبر» (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح). (وهو) أي: الرباط: (لزوم ثغر لجهاد) تقوية للمسلمين. اهـ.
والله أعلم.
 

الشبكة الإسلامية

موقع الشبكة الإسلامية