طلب النصارى بناء كنيسة في بلاد الإسلام.. رؤية شرعية
هناك شبهة ترد وهي: لماذا يحق للمسلمين المطالبة ببناء المساجد في بلاد الكفار بينما لا يحق للكفار المطالبة ببناء الكنائس في بلاد المسلمين؟ حيث إن كلا الطرفين يعتقد نفسه على صواب، وهل يحق للمسلمين إذا منعوا من إنشاء المساجد في بلاد الكفار أن يحاربوهم أو يقوموا عليهم؟ أم أن هذا راجع إلى بلادهم وحكمهم كما هو راجع إلى بلاد المسلمين وحكم الإسلام فيها؟ أتمنى أن تجيبوني بجواب مفصل عن كل نقطة أثابكم الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فبناء الكنائس في بلاد الإسلام محرم باتفاق المسلمين، قال شيخ الإسلام: وقد اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة، مثل ما فتحه المسلمون صلحاً، وأبقوا لهم كنائسهم القديمة، بعد أن شرط عليهم فيه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن لا يحدثوا كنيسة في أرض الصلح، فكيف في بلاد المسلمين؟!. اهـ.
كيف لا؟ والكنائس هي البيوت التي يشرك فيها بالله جل وعلا، وينسب له سبحانه فيها الصاحبة والولد تعالى الله عن ذلك، قال ابن تيمية: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر. اهـ.
أما الشبهة المذكورة في السؤال فجوابها: أن المسلمين يبنون المساجد في بقاع الأرض كلها، لأن الله جل وعلا أمرهم بذلك وأحق لهم هذا الحق ورضيه لهم، وأما الكفار فلا يحق لهم بناء الكنائس، لأن الله سبحانه حرم ذلك ونهى عنه ومنعهم منه، فدين الإسلام هو الدين الحق المهيمن على جميع الأديان، وما سواه من الأديان باطل، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، وقال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
ومن وقرت هذه العقيدة في قلبه عرف تهافت هذه الشبهة، والمسلمون يعاملون الكفار بمقتضى ما شرعه الله لهم في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، دون التفات إلى موقف الكفار منه، وسواء عاملونا بمثل ما عاملناهم به أم بنقيضه، ومن باب التمثيل: فمن المعلوم أن الكفار في ديارهم يسمحون للكافر بالدخول في دين الإسلام، فهل يقول مسلم لنسمح للمسلم بأن يكفر من باب المماثلة؟! والكفار يسمحون للمسلم أن ينكح نساءهم، فهل نبيح للكفار نكاح نساء المسلمين لذلك؟! وفي بلاد الكفرة يأذنون بمقارفة أنواع الفواحش، فهل يقال ليأذن المسلمون بذلك من باب المعاملة بالمثل؟! إلى غير ذلك من الأمثلة.
وفي جواب هذه الشبهة يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن قال قائل: إذا كانوا لا يمنعوننا من إحداث المساجد في بلادهم، فهل لنا أن نمنعهم من إحداث الكنائس في بلادنا؟ الجواب: نعم، وليس هذا من باب المكافأة أو المماثلة، لأن الكنائس دور الكفر والشرك، والمساجد دور الإيمان والإخلاص، فنحن إذا بنينا المسجد في أرض الله فقد بنيناه بحق، فالأرض لله، والمساجد لله، والعبادة التي تقام فيها كلها إخلاص لله، واتباع لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، بخلاف الكنائس والبيع.
ومن سفه بعض الناس أنه يقول: لماذا لا نمكنهم من بناء الكنائس في بلادنا كما يمكنوننا من بناء المساجد في بلادهم؟ الجواب: نقول: هذا من السفه، ليست المسألة من باب المكافأة، إذ ليست مسائل دنيوية، فهي مسائل دينية، فالكنائس بيوت الكفر والشرك، والمساجد بيوت الإيمان والإخلاص فبينهما فرق، والأرض لله، فنحن إذا بنينا مسجداً في أي مكان من الأرض فقد بنينا بيوت الله في أرض الله بخلافهم. اهـ.
والمسلمون مأمورون بالجهاد في سبيل الله، ليظهر دين الله، وتزال العوائق عن طريق دعوة الإسلام، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
والجهاد ذروة سنام الإسلام، وله حكم وضوابط بينا شيئا منها في فتاوى سابقة.
لكن ليس لآحاد المسلمين أن يقدموا على قتال الكفار إذا منعوا المسلمين من بناء المساجد، فإن الجهاد الذي يقصد به فتح بلاد الكفار، وقتال من رفض الإذعان لحكم الإسلام لا بد أن يقوم به الإمام الشرعي، قال ابن قدامة: وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك. اهـ.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه، ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر فهو آثم. اهـ.
وقال ابن عثيمين: لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام، لأنه المخاطب بالجهاد، ولأن الخروج بدون إذنه افتيات عليه، ولأنه سبب للفوضى والمفاسد التي لا يعلمها إلا الله، وأما قول السائل: هل هناك حالات يجوز فيها بدون إذن الإمام؟ فنعم إذا هجم عليهم العدو فيتعين عليهم القتال. اهـ.
والله أعلم.
الشبكة الإسلامية
موقع الشبكة الإسلامية
- التصنيف:
- المصدر: