مسائل متنوعة في الإجارة

منذ 2015-01-11
السؤال:

1- حكم الاستِئْجار لأعمال محرمة.

2- استئجار المسلم لبناء الكنائس أو المعابد.

3- استئجار المرأة للعمل وغيره بغير إذن زوجها.

4- هل أخذ الأجر على العمل الدعوي ينقص من الأجر؟

5- حكم استئجار المرأة للزنا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن استئجار المسلِم لبناء الكنائِس والمعابد، لا يجوز، وهي من الإجارة المحرَّمة؛ لأنَّ من شروط صِحَّة الإجارة أن تكون على نفْعٍ مُباح، وقد سبق ذلك في الفتوى: "حكم العمل في بناء الكنائس".

أمَّا الاستِئْجار على معصيةٍ أو ما يُستَعَان به على فِعْل المعصية، فلا يجوز؛ لأنَّ من شروط صِحَّة الإجارة أن تكون على نفْعٍ مباح، فإن كانتْ محظورة الاستيفاء، لم تَجُزِ الإجارة؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

قال ابنُ قُدامة في "المغني": "ولا يجوز الاستِئْجار على حَمْلِ الخمر لِمَنْ يشربُها، ولا على حَمْلِ خِنْزِيرٍ ولا ميتة لذلك، وبهذا قال أبو يوسف، ومحمد، والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز؛ لأنَّ العمل لا يتعيَّنُ عليه؛ بدليلِ أَنَّهُ لو حمله مثله جاز، ولأنَّه لو قصد إراقَتَهُ أو طرْح الميتة، جاز، وقد رُوِي عن أحمد فيمَنْ حَمَلَ خِنْزِيرًا، أو ميتةً، أو خمرًا لنصرانيٍّ: أكْرَهُ أكْلَ كِرائِه، ولكن يقضى للحمَّال بالكِراء، فإذا كان لمسلمٍ، فهو أشَدُّ، قال القاضي: هذا محمولٌ على أنَّه استأْجره ليريقَها، فأمَّا للشرب، فمحظور، ولا يحل أخذ الأجرة عليه، وهذا التَّأويل بعيد؛ لقوله: أكْرَهُ أكْلَ كِرائِه، وإذا كان لمسلمٍ، فهو أشدُّ، ولكنَّ المذهبَ خلاف هذه الرِّواية؛ لأنَّه استئجارٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فلَمْ يَصِحَّ؛ كالزِّنَا، ولأنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لَعَنَ حامِلَها والمحمولَةَ إليْه".

وقد سُئِلَ ابنُ تيمية عن خيَّاطٍ، خاط للنَّصارى سيرَ حريرٍ فيه صليب ذهب، فهل عليْه إثم في خياطتِه؟ وهل تكون أجرتُه حلالاً أم لا؟ فقال: "إذا أعان الرَّجل على معصية اللّه كان آثمًا".

وقد سُئِلَتِ اللجنة الدَّائمة: هل تجوز المتاجَرَةُ في الخُمُور والخنازير إذا كان لا يبيعُها لمسلم؟
فأجابت: "لا يجوز المتاجرةُ فيما حَرَّمَ اللهُ من الأطعمة وغيرها؛ كالخُمُور والخِنْزير، ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنْه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: «إنَّ اللهَ إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثَمَنَهُ»، ولأنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَعَنَ الخَمْرَ وشارِبَها، وَبائِعَها ومُشْتَرِيَها، وحامِلَها والمَحْمُولةَ إلَيْه، وآكِلَ ثَمَنِها، وعَاصِرَها وَمُعْتَصِرَها". اهـ.

فعموم الأدلَّة تدُلُّ على تحريم مُعَاوَنَةِ المسلمينَ والكُفَّارِ على المُحَرَّمِ، ولم تُفَرِّقْ بين المسلمين وغيرهم.

أمَّا استِئْجار المرأة للعمل وغيرِه بغَيْر إذْن زوجِها، فلا يجوز مطلقًا أن تَخرج من البيت للعمل أو غيرِه بغير إِذْن الزَّوج، وقد سبق بيانُ ذلك في فتوى: "طاعة الزوجة لوالديها في العمل".

أمَّا أخْذ الأجر على العمل الدَّعوي، فإن كان الدَّاعية في حاجةٍ للمال، فيُرجى ألاَّ ينقُص أجره، وراجع الفتويين التَّالية: "حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم" لسماحة الشيخ ابن باز،

"حكم أخذ الأجرة على الأذان" للشيخ العثيمين.

أمَّا استئجار المرأة على الزِّنا، فمن أكبر الكبائر، ولا يشتَبِه مثل هذا على عاقلٍ أو مسلمٍ، وحُرْمَتُهُ من البداهة العقليَّة المستقرَّة في العقول والفطر قبل نزول الشرائع، ومن المعلوم من الدين بالضَّرورة، ولا تحتاج إلى إقامة برهانٍ عليْها، وصاحبها مُستحقٌّ لِما أعدَّهُ الله لأمثالِه من الفاسقين، المجتَرِئين على ربِّهم والآمنين لعقابه، نسأل الله العافيةَ في الدنيا والآخِرة من العقوبة، إلاَّ أن يتوب ويتقطَّع قلبُه، أو يشاء الله شيئًا.

فهذا الفعل يُخفي وراءَه نيَّة خبيثةً، مهْما لبس صاحبُها مسوح المسلمين، فسيفضحه الله، ويكشف أمرَه الشَّائن؛ كما قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 109]، فشأنه شأنُ القائم على حافة تُربة مخلخلة لتنهار، فيهوي في نار الجحيم وبئس القرار، ويُرْجى مراجعة الفتويَين: "كيف أتوب؟"، "التوبة من الزنا"،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام