حكم اعتياد الصلاة في مكان معين من المسجد

منذ 2015-05-20
السؤال:

هل يجوز أن يتخذ الرجل مكانا واحدا في المسجد يصلي فيه دائما جميع الفروض مع الإصرار على نفس المكان في الفروض، أما في الرواتب فإنه يغيره؟ 

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد روى أحمد في المسند وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن شبلقال:  «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِى الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ». فهذا الحديث يستدل به على النهي عن مثل هذا الفعل، وفي معناه وجهان: أصحهما أنه للنهي عن اعتياد الصلاة في مكان معين من المسجد لا يصلي إلا فيه، قال شمس الحق في عون المعبود: فيه وجهان: أحدهما أن يألف مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا لا يبرك إلا فيه، والوجه الآخر أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود برك البعير على المكان الذي أوطنه، وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعها بالأرض على سكون ومهل. قاله الخطابي.
قلت: الوجه الثاني لا يصح ها هنا، لأنه لا يمكن أن يكون مشبها به، وأيضا لو كان أريد هذا المعنى لما اختص النهي بالمكان في المسجد، فلما ذكر دل على أن المراد هو الأول، قال ابن حجر: وحكمته أن يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعادات والحظوظ والشهوات، وكل هذه آفات أي آفات فتعين البعد عما أدى إليها ما أمكن. انتهى.
وفي النهي حكمة أخرى أشار إليها الشوكاني بقوله: وعلة النهي عن المواظبة على مكان في المسجد ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا من مشروعية تكثير مواضع العبادة. انتهى.
لكن هذا الحديث قد تكلم فيه بعض أهل العلم، قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في شرح البخاري: وفي إسناده اختلاف كثير، وتميم بن محمود - وهو راوي الحديث عن عبد الرحمن بن شبل - قال البخاري: في حديثه نظر. انتهى.
ثم إنه معارض بما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه: أنه كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها.
وحمل بعض العلماء حديث سلمة على النفل وحديث النهي على التوطن مطلقا، قال المجد في المنتقى: قلت: وهذا محمول على النفل، ويحمل النهي على من لازم مطلقا للفرض والنفل.
وقال ابن رجب: وقد حمل أصحابنا حديث النهي على الصلاة المفروضة، وحديث الرخصة على الصلاة النافلة. وكان للإمام أحمد مكان يقوم فيه في الصلاة المكتوبة خلف الإمام، فتأخر يوماً فنحاه الناس وتركوه، فجاء بعد ذلك فقام في طرف الصف ولم يقم فيه، وقال: قد جاء أنه يكره أن يوطن الرجل مكانه. انتهى.

والخلاصة أنه ينبغي لهذا الشخص ترك ما يعتاده من صلاة الفريضة في مكان بعينه خشية أن يكون داخلا في هذا النهي، ولتكثير مواضع صلاته، وحذرا من الرياء، وأيضا فإن هذا المكان إن كان مفضولا فإنه يفوت على نفسه بذلك فضيلة الصلاة في المكان الفاضل، فإن القيام في الصف الأول والدنو من الإمام أمر مطلوب مأمور به، يقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: النهي عن كون الإنسان يستوطن بمكان معين من المسجد لا يصلي إلا فيه فهذا هو الذي قد ورد النهي عنه، وأما كون الإنسان يعتاد مكانا معينا يصلي فيه، لكن يصلي في غيره أيضاً فهذا ليس فيه نهي، إنما الشيء الذي ينبغي أيضاًَ أن ينتبه له أن بعض الناس يتخذ مكاناً معيناً في صلاة الفريضة يصلي فيه ولو كان مكاناً مفضولاً فتجده مثلاً يصلي في آخر الصف مع أنه يتمكن أن يكون في أول الصف، أو يصلي في الصف الثاني مع أنه يتمكن أن يصلي في الصف الأول وهذا لا شك أنه نقص، لأنه كلما تقدم الإنسان في الصفوف فهو أفضل، وكلما دنا من الإمام فهو أفضل، فالإنسان الذي يتخذ مكاناً في آخر الصف مع وجود ما هو أدنى منه للإمام قد حرم نفسه هذه الفضيلة، وكذلك الذي يتخذ مكاناً في الصف الثاني مع أنه يمكنه أن يصلي في الصف الأول قد حرم نفسه فضيلة الصف الأول مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «لو يعلم الناس ما في النداء ـ يعني ما في الأذان ـ والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»ـ يعني لو يعلمون ما فيهما من الأجر ثم لم يجدوا سبيلاً إلى الوصول إليهما إلا بالاستهام يعني يالقرعة لاقترعوا أيهم يحظى بالصف الأول، أو بالأذان. انتهى.

والله أعلم.