يستحب ختم القرآن الكريم في رمضان
أرجو أن تخبرني ما إذا كان من الضروري على المسلم ختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان، إذا كان الجواب بنعم، أرجو أن تورد الحديث الشريف المؤيد لذلك القول.
الحمد لله
أولاً:
يشكر السائل الكريم على حرصه على معرفة حكم المسألة بدليلها، ولا شك أن هذا أمر مطلوب، يجب أن يسعى إليه كل مسلم، حتى يكون متبعاً للكتاب والسنة.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى (إرشاد الفحول:450-451):
" إذا تقرر لك أن العامي يسأل العالم، والمقصر يسأل الكامل، فعليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالدين وكمال الورع، عن العالم بالكتاب والسنة، العارف بما فيهما، المطلع على ما يحتاج إليه في فهمهما من العلوم الآلية، حتى يدلوه عليه ويرشدوه إليه، فيسأله عن حادثته طالباً ما في كتاب الله سبحانه أو ما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يأخذ الحق من معدنه، ويستفيد الحكم من موضعه، ويستريح من الرأي الذي لا يأمن المتمسك به أن يقع في الخطأ المخالف للشرع، المباين للحق" انتهى .
وفي كتاب ابن الصلاح (أدب المفتي والمستفتي:ص171) قال:
"وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتي بالدليل، لأجل احتياطه لنفسه، وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعاً به، ولا يلزمه ذلك إن لم يكن مقطوعاً به؛ لافتقاره إلى اجتهاد يقصر عنه العامي. والله تعالى أعلم بالصواب" انتهى.
ثانياً:
نعم، يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن الكريم في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن الكريم فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
والدليل على ذلك: ما رواه البخاري (4614) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: «أن جبريل كان يعْرضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً ، فَعرضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فيه»
قال ابن الأثير في (الجامع في غريب الحديث:4/64):
"أي كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن" انتهى.
وقد كان من هدي السلف رضوان الله تعالى عليهم، الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فعن إبراهيم النخعي قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين (السير:4/51)، وكان قتادة يختم القرآن في سبع، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة
(السير:5/276)، وعن مجاهد أنه كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلة (التبيان للنووي:ص/74) وقال: إسناده صحيح، وعن مجاهد قال: كان علي الأزدي يختم القرآن في رمضان كل ليلة (تهذيب الكمال:2/983)، وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة (السير:10/36)، وقال القاسم ابن الحافظ ابن عساكر: كان أبي مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن الكريم، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم (السير:20/562).
قال النووي رحمه الله تعالى معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن الكريم:
"والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة " انتهى.
(التبيان:ص76) .
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن الكريم وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:
"ختم القرآن الكريم في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن الكريم، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل عليه الصلاة والسلام القرآن الكريم كل رمضان" انتهى .
(مجموع فتاوى ابن عثيمين:20/516)
والله تعالى أعلى وأعلم.