حكم تأخير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه
لنقل أنك سمعت اسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم تصلِ عليه صلى الله عليه وسلم مباشرة، فما الحكم؟
الحمد لله
أولا:
اختلف العلماء في وجوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر اسمه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"اخْتلف فِي وُجُوب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر اسْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَأَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ: تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما ذكر اسْمه.
وَقَالَ غَيرهمَا: إِن ذَلِك مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِفَرْض يَأْثَم تَاركه.
ثمَّ اخْتلفُوا: فَقَالَت فرقة تجب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة، لِأَن الْأَمر الْمُطلق لَا يَقْتَضِي تَكْرَارا، والماهية تحصل بِمرَّة، وهذا محكي عَن أبي حنيفَة وَمَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ، قَالَ عِيَاض وَابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْأمة.
وَقَالَت فرقة: بل تجب فِي كل صَلَاة في تشهدها الْأَخير، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد فِي آخر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ وَغَيرهمَا.
وَقَالَت طَائِفَة الْأَمر بِالصَّلَاةِ أَمر اسْتِحْبَاب لَا أَمر إِيجَاب " انتهى من (جلاء الأفهام:ص 382) .
والأحاديث الواردة في الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء، والوصف بالبخل والجفاء لمن ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه: تقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه، في الجملة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (الترمذي:3545) وحسَّنه، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي).
وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (الترمذي:3546) وحسَّنه، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي).
قال الفاكهاني رحمه الله تعالى:
"حديث « » يقوي قول من قال بوجوب الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- كلما ذكر، وهو الذي أميل إليه" انتهى من (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع:ص 31).
وَبِهِ قَال جَمْعٌ من العلماء، مِنْهُمْ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالطُّرْطُوشِيُّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الإْسْفَرَايِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
(الموسوعة الفقهية:1/204).
ثانيا:
على القول بوجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه: فإنه يلزم من سمع اسمه صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه مباشرة، ولا يتأخر؛ لأن هذه عبادة مؤقتة بوقت، تلزم لوقتها، وتفوت بفواته.
ويدل عليه ظاهر الحديث المتقدم : « ».
قال الصالحي رحمه الله تعالى:
" ينبغي أن تكون الصلاة عليه-صلى الله عليه وسلم- معقبة بذكره عنده، حتّى لو تراخى عن ذلك ذمّ عليه" انتهى من (سبل الهدى والرشاد:12/421).
فإن كان الفاصل بين ذكره صلى الله عليه وسلم وبين الصلاة عليه طويلا، فهي عبادة فات وقتها ففاتت بفواته.
وإن كان الفاصل يسيرا: فلا حرج.
وإن نسي وطال الفصل، ثم تذكر فصلى عليه صلى الله عليه وسلم: فلا حرج أيضا.
وهذا كالأذكار بعد الصلاة، إنما تسن عقب الصلاة مباشرة، فإذا طال الفصل فات محلها، وإذا كان فاصلا يسيرا: فلا حرج.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"إذا طال الفصل بين الصلاة والذكر فات محله، والطول عرفي [ يعني: ليس له حد معين، وإنما يُرجع في تحديده إلى العرف]، أما إذا كان الفصل يسيراً ـ ومنه صلاة الجنازة ـ ، فلا يفوت " انتهى من (شرح عمدة الأحكام).
وبالجملة:
فحري بمن يحب النبي صلى الله عليه وسلم: أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه مباشرة، ولا يتأخر عن ذلك.
والله تعالى أعلم.