ماذا أعلم ابني؟
الشيخ الفاضل: أرجو إفادتي - عاجلًا - هناك أستاذ دكتور يقول: إنه في المرحلة التأسيسية لمرحلة الابتدائي، يجب أن تُدرس المواد التالية - فقط – وهي: القراءة، والكتابة، والرياضيات.
أما القرآن والعلوم الشرعية، فهي مواد فرعية، وليست من الشرط أن تكون كمادة أساسية، وإنما تدرس ضمن المواد؛ لأن الطفل متى تعلم القراءة - جيدًا - سوف يقرأ بعد ذلك القرآن.
هل هذا القول صحيح؟ وإن كان غير ذلك، فأرجو من فضيلتكم أن تبين ما يتعلمه الطفل في هذا المرحلة، وكيف أوضح له، وأحاجُّه أن القرآن يفتح مدارك الطفل، فأرجو أن تكون الإجابة مدعمة بالأدلة.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء،،
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الأولاد مسئولية في عنق الوالدين، كما جاء في الحديث، عن عبد الله بن عمر، يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « »؛ رواه البخاري ومسلم.
ومن هذه المسئولية تعليم الصغير مبادئ الشريعة الإسلامية، وما تصح به عقيدته، من إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما تصح به عبادته، فيعرفه ما يتعلق بصلاته، وصيامه، وطهارته، ونحوها، وتهذيب غرائزهم، وتوجيه سلوكهم، على أساس القيم والمبادئ، والمثل الأخلاقية، ويأتي في مقدمة كل ذلك تعظيم كتاب الله - عز وجل - في نفسه، وتعويده حفظ ما تيسر منه، وكم من طفل أتم حفظ القرآن، وهو في سن صغيرة؛ لأن الطفل له ذاكرة بيضاء نقية، لم تحمل مشاغل ولا همومًا مثل الكبار، وهى في نفس الوقت آلية حادة، فنرى الطفل سريع الحفظ صعب النسيان لما يحفظه في هذه السن المبكرة، ولذلك؛ كان التعليم في وقت الطفولة أسرع وأكثر رسوخًا من أي وقت آخر من عمر الطفل.
وقد ذكر الأستاذ محمد سعيد مرسي في كتابه "فن تربية الأولاد في الإسلام" أن من خصائص الطفل أنه يحمل ذاكرة حادة آلية، وقال:
"فالطفل ذاكرته ما زالتْ نقيَّةً بيضاءَ، لم تُدَنِّسها الهموم ولا المشاكل، فهو لذلك يحفظ كثيرًا، وبلا فهم، وهذا معنى الآلية؛ أي: أنْ يحفظَ بلا وعي، وبلا إدراك، وتُسْتَغَلُّ هذه الحِدَّةُ والآلية في الذاكرة في: حفظ القرآن الكريم، والحديث الشريف، والأدعية، والأذكار، والأناشيد، وفي المذاكرة، ويصعُبُ نِسيان ما يحفَظُه في هذه السِّنِّ". اهـ.
قال المناوي - في "فيض القدير" (5 / 257) -:
"لأن يؤدب الرجل ولده - عندما يبلغ من السن والعقل مبلغًا يحتمل ذلك بأن ينشئه على أخلاق صلحاء المؤمنين - ويصونه عن مخالطة المفسدين، ويعلمه القرآن والأدب ولسان العرب، ويسمعه السنن وأقاويل السلف، ويعلمه من أحكام الدين ما لا غنى عنه، ويهدده ثم يضربه على نحو الصلاة، وغير ذلك - خيرٌ له من أن يتصدق بصاع؛ لأنه إذا أدبه، صارت أفعاله من صدقاته الجارية، وصدقة الصاع ينقطع ثوابها، وهذا يدوم بدوام الولد، والأدب غذاء النفوس، وتربيتها للآخرة، {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، فوقايتُك نفسك وولدك منها، أن تَعِظَها وتزجُرَها بورودها النار، وتقيم أَوَدَهُمْ بأنواع التأديب، فمن الأدب: الموعظة، والوعيد، والتهديد، والضرب، والحبس، والعطية، والنوال، والبر، فتأديب النفس الزكية الكريمة، غير تأديب النفس الكريهة اللئيمة". اهـ.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (12 / 259):
"الولد أمانة في عنق ولي أمره، يوجهه إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه من تعليم العلم والأدب الحسن، ومن ذلك تعليمهم القرآن والأحاديث، وكذلك تعليمهم الحساب".
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2 / 4509):
"ودليل وجوب تعليم الصغير: قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومجاهد وقتادة: معناه: "علموهم ما ينجون به من النار"، وهذا ظاهر، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « »".
قال القاضي أبو بكر بن العربي: "إن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، وقابل لكل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمَهُ، نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، يشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهْمِل، شَقِيَ وَهَلَكَ، وكان الوزرُ في رقبة القيم به، والولي عليه.
ومهما كان الأب يصون ولده من نار الدنيا، فينبغي أن يصونه من نار الآخرة، وهو أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهديه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية؛ فيضيع عمره في طلبها إذا كبر، وَيَهْلِك هلاك الأبد.
وينبغي أن يعلمه - أيضًا - من أمور الدنيا ما يحتاج إليه، من السباحة والرمي وغير ذلك، مما ينفعه في كل زمان بحسبه.
قال عمر - رضي الله عنه -: "علموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليَثِبُوا على الخيل وَثْبًا". اهـ.
ويقول الأستاذ "عبد الرحمن النحلاوي" في كتاب "أصول التربية الإسلامية": "لا تحقيق لشريعة الله إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع على الإيمان بالله، ومراقبته والخضوع له وحده، ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين، وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده، ويؤديها المربون للناشئين، وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة، أو ينحرف بها عن هدفها، أو يسيء تفسيرها، أو يغير محتواها".
ويقول الشيخ "محمد بن جميل زينو: في كتابه "نداء إلى المربين والمربيات": "إن مهمة المربي عظيمة جدًّا، وعمله من أشرف الأعمال، إذا أتقنه وأخلص لله - تعالى - فيه وربَّى الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة، والمربي والمربية يشمل المدرس والمدرسة، والمعلم والمعلمة، ويشمل الأَبَ والأمَّ، وكلَّ من يرعى الأولاد". اهـ.
وعليه؛ فما ذكره الدكتور غير صحيح، بل المعروف على مدى العصور واختلاف الدهور غيرُهُ؛ فعلماء الإسلام الذين هم عباقرة العالم، كان يبتدئ الواحد منه العلم بحفظ الأصلين: الكتاب والسنة في سن مبكرة جدًّا، فكانوا يُتِمُّون حفظ القرآن الكريم في السادسة، أو السابعة، إلى العاشرة، وكانوا علماء في الطب والهندسة والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلك، وغيرها من العلوم الطبيعية، فكلام الدكتور هو ما يفتقر لدليل عليه، ويُخشى أن يكون كلامُهُ نابعًا من انهزامٍ، أو تَأَثُّرٍ بالغرب،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: