الجمع بين رواية «لا يرقون» وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم

منذ 2018-05-13

وأيضًا بعض الناس لا يطلب الرقية لكنه يتحراها، فيكون مريضًا ومن دخل عليه عرف من حاله أنه متَشَوِّف للرقية، فمن حرصه على الدخول في الحديث لا يطلبها، لكنه يتصرف بعض التصرفات التي تجعل الداخل عليه لا سيما إذا كان من أهل.

السؤال:

أشكل علي في حديث الذين يدخلون الجنة بغير حساب رواية في صحيح مسلم بلفظ: «هم الذين لا يرقون» كيف نوفق بينها وبين رقية النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه، نرجو البيان والتفصيل؟

 

الإجابة:

لا شك أن هذه اللفظة في (صحيح مسلم) [220]، وما في (الصحيحين) تجب صيانته، لكن من أهل العلم من يقول: إن هذه اللفظة غير محفوظة؛ لأن الراقي محسن فلا يلام وقد أحسن، بل هو مثابٌ على إحسانه، ولا شك أن هذه المنزلة وهي منزلة من اتصف بهذه الأوصاف التي يترتب عليها دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب لا شك أنها منزلة عالية ورفيعة لا تحصل لغالب الناس، فهي منزلة رفيعة لا يمكن أن ينالها إلا من حُدِّد في الحديث ووصف به، فإذا كان محسنًا -وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام- يترجح القول بأن هذه اللفظة غير محفوظة، ومنهم من يقول: إن اللفظة محفوظة لا سيما وأنها في (صحيح مسلم)، والملاحظ في جميع ما جاء في الحديث الالتفات إلى السبب، ولا شك أن المسترقي ملتفت إلى السبب، والمكتوي ملتفت إلى السبب، وكذلك الراقي حينما يرقي ملتفت إلى السبب وإن لم يكن ملتفتًا إليه في نفسه إنما التفت إليه في غيره، فهو محسن لكنه مع إحسانه غلب على ظنه تأثير هذا السبب فالتفت إليه، فحَسْمُ المادة بالكلية (لا يرقي ولا يسترقي) هو الذي يُحقق كمال التوكل الذي يستحق به هذه المنزلة، هذا على قول من يقول: إن اللفظة محفوظة، وأما على القول بأن هذه اللفظة ليست محفوظة فلا إشكال، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- رَقى [البخاري: 5743] وأيضًا رُقي [مسلم: 2186]، رقاه جبريل –عليه السلام- لكنه لم يطلب الرقية.

 

وبعض الناس يطلب الرقية لا لنفسه وإنما يسترقي لولده –مثلًا-، فهل يدخل في من حُرِم هذا الثواب العظيم، أو نقول: إنه لم يطلبها لنفسه وإنما طلبها لغيره فهو محسن مثل الراقي؟ على القول بأن هذه الرواية غير محفوظة لا يتأثر موقفه.

 

كذلك قد ورد في هذا الحديث قوله: «لا يكتوون»، وجاء في حديث عمران بن حصين –رضي الله عنهما- أنه كان في مرضه تسلم عليه الملائكة فاكتوى فانقطع التسليم، فندم فعاد التسليم [مسلم: 1226]، فافتَرِضْ أن الإنسان رقى أو استرقى، ثم ندم على ذلك؛ ليدخل في السبعين ألفًا، هل نقول: إنه يدخل كما أن عمران بن حصين –رضي الله عنهما-  لما ندم على الاكتواء عاد إليه التسليم مع أن التسليم منزلة قد تكون أرفع من منزلة السبعين ألفًا وأخص؟ فهل يعود الوصف الوارد في هذا الحديث إليه إذا ندم؟ هذه مسائل تحتاج إلى مزيد من العناية.

 

وأيضًا بعض الناس لا يطلب الرقية لكنه يتحراها، فيكون مريضًا ومن دخل عليه عرف من حاله أنه متَشَوِّف للرقية، فمن حرصه على الدخول في الحديث لا يطلبها، لكنه يتصرف بعض التصرفات التي تجعل الداخل عليه لا سيما إذا كان من أهل العلم ومن أهل الفضل ومن أهل الورع الذين يُظن أنه تستجاب دعوتهم وتنفع رقيتهم بإذن الله -جل وعلا- تجعل الداخل عليه يفهم مراده، فيتصرف المريض تصرفًا كأنّه يقول: ارقني، لكن بلسان حاله لا بلسان مقاله، كأن يفك أزرار الثوب مثلاً، فهل يتأثر ويكون ممن استرقى، أو أن السين والتاء للطلب ولا يكون إلا بالصريح؟ وقد رأينا بعض الشيوخ الكبار من أهل العلم والعمل إذا دخل عليهم بعض العلماء من أهل الفضل والصلاح فتح الأزرار، ولا يقول له: ارقني، لكن يفتح الأزرار، كأنه يشير إلى أنه يطلب الرقية بلسان حاله لا بلسان مقاله.

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.