التسويق الشبكي
ما حكم التسويق الشبكي خاصة ما تمارسه شركة تينز هنا في السودان؟
ما حكم التسويق الشبكي خاصة ما تمارسه شركة تينز هنا في السودان؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا علم لدينا عن الشركة المسؤول عنها، غير أن هناك في التسويق الشبكي أمورًا متفق عليها تبين حكمه، كما سيأتي في التفصيل الآتي:
أولاً: فإن كان الاشتراك في تلك الشركة يتم دون قيود أو شروط تنافى معنى البيع، أو تعارض موجب العقد، ولم يصحب عقد البيع غرض آخر للمشتري يغلب على غرض الشراء - كما هو الحال في التسويق الشبكي عمومًا، حيث يشتري المشترك المنتج بغرض الانضمام للشركة - فإن تم العقد بغير هذين المحذورين: فهو مباح، سواء كان غرض المشتري المتاجرة في السلعة، أو كان للاستعمال الشخصي.
أما إذا كان الغرض من الشراء هو العمل في الشركة؛ لأن العمل فيها لا يتم إلا بشراء المنتج، سواء كان وهميًا كبعض برامج الحاسوب، أو حقيقيًا ككثير من السلع: فالذي يظهر في هو عدم جواز مثل التسويق، ولأسباب منها:
أن العميل يدفع المال لا لرغبته في السلعة، وإنما دفعه رغبة في ثمرة العمل لدى الشركة، وهذه الثمرة قد تحصل وقد لا تحصل؛ لأنها مرتبطة بأمر مجهول وهو إحضار الزبائن للشراء، وجَني الأرباح من جراء شرائهم بواسطته، وأيضًا فليس هذا هو البيع في الإسلام الذي يشتري فيه السلعة ليبيعها أو يتمولها.
ومنها: أنه شبيه بالقمار بعينه، لاشتماله على الغَرَر الفاحش الذي لا يتسامح فيه، فهو يدفع مالًا لا لغرض الشراء في ذاته؛ بل ليحصل على ربح قد يحصل بجلب الزبائن، وقد لا يحصل بعدم جلبهم.
ولذلك تجد أن اكثر تعاملات هذه الشركات بين عملائها، والمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ويدل على أنه إنما دفع ما دفع؛ رغبة في الحصول على هذه الثمرة لا رغبة في الشراء، أنه يشتريها في الغالب بأكثر من ثمنها الحقيقي.
ومنها: أن العمل مع هذه الشركة يدعو إلى البطالة، والكسب بدون جهد، كما يؤدي إلى إثراء طائفة قليلة من المجتمع، مع إفقار أغلب طبقاته، والإسلام يهدف إلى رعاية المصالح العامة ولو تعارضت مع المصالح الفردية، ومن أجل ذلك حَرَّم تَلَقِّي الركبان، وبيع الحاضر للبادي؛ لأن ذلك يتعارض مع المصلحة العامة، وإن كان فيه مصلحة فردية، ومن ثمّ كان التسويق الشبكي من صور الاقتصاد الرأس مالي المتوحش، حيث يتفنن أصحاب الأموال في الحصول على الأرباح الطائلة، مهما كلف ذلك غيرهم من الخسارة؛ لأنهم لا يهتمون إلا بالربح فقط، والذي يتعارض مع الاقتصاد الإسلامي الذي يغلب المصلحة العامة على الخاصة، ولا عجب في هذا فإن هذه الأفكار التسويقية قد نشأت في غير بلاد المسلمين، فلا يتصور أن تكون موافقة للشريعة الإسلامية.
إذا تقرر هذا؛ فإن كانت طريقة عمل الشركة المسؤول عنها، تشتمل على تلك المحاذير فلا يجوز التعامل معها.
هذا؛ وتتميمًا للفائدة سأنقل فتوى الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء "فتوى رقم (22935) وتاريخ 14/3/1425هـ" بخصوص التسويق الشبكي، وجاء فيها:
"... أن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرمة شرعاً لأمور:
أولاً: أنها تضمنت الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانياً: أنها من الغرر المحرم شرعًا؛ لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.
ثالثاً: ما اشتملت عليه هذه المعاملة من أكل الشركات لأموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة ومن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خدع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]
رابعاً: ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج وكأنه هو المقصود من المعاملة والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا من الغش المحرم شرعًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من غش فليس مني»؛ رواه مسلم في صحيحه، وقال أيضاً: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما»؛ متفق عليه.
وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق، هكذا بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو سُلِّمَ فليس كل هبة جائزة شرعاً، فالهبة على القرض ربا، ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة رضي الله عنهما: «إنك في أرض الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قَتٍّ فإنه ربا»؛ رواه البخاري في الصحيح.
والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام - في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي - فقال عليه الصلاة والسلام: «أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟!»؛ متفق عليه.
وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغير ذلك من حقيقتها وحكمها شيئاً.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك شركات ظهرت في السوق سلكت في تعاملها مسلك التسويق الشبكي أو الهرمي مثل شركة (سمارتس واي) وشركة (جولد كويست) وشركة (سفن دايموند) وحكمها لا يختلف عن الشركات السابق ذكرها، وإن اختلفت عن بعضها فيما تعرضه من منتجات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: