ما حكم التقرب لله عن طريق الموتي الصالحين وما هي الكرامات؟
قراءة الفاتحة للميت للتقرب لله ونيل بركة الميت والتبرك به لقضاء الحوائج؟ وما هي الكرامات؟
قراءة الفاتحة للميت للتقرب لله ونيل بركة الميت والتبرك به لقضاء الحوائج؟ وما هي الكرامات؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن قصد بعض الناس لقبور الصالحين ممن عرفوا بالأمانة والديانة، واعتقاد أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر: وهو نفس ما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام من المنكر الشَّنيع، والكفر الفظيع، من فاتخذت الأصنام أندادًا من دون الله عر وجل لقضاء ما لا يقدر عليه إلا الله.
وكل من عنده أدنى عقل يدرك أن صاحب القبر لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًا ولا نفعًا؛ كما قال تعالى عن عجل بني إسرائيل {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: 89]، وقال سبحانه: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ*وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ* وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 191 - 193].
وقد ذكر الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الشرك عمومًا وخصوصًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 194، 195]
والحاصل أن من بدهيات الإيمان تجريد الاستعانة بالله وحده، سواء في الاستعانة به في الهداية والاستقامة والصلاح، أو في إدراك المطالب وقضاء الحوائج التي يفتقر إليها المخلوق في معاشه ومصالحه، فالله تعالى هو وحده الذي بيده خزائن كل شيء، وهو سبحانه تعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بل ليس في الوجود سبب يستقل بالتأثير، ولا يؤثر سبب البتة إلا بانضمام سبب آخر إليه، وتنتفي عنه موانع التأثيره.
قال شيخ الإسلام في "الإخنائية" (ص: 198-201):
"لا ريب أن أهل البدع يحجون إلى قبور الأنبياء والصالحين، ويزورونها غير الزيارة الشرعية، لا يقصدون الدعاء لهم كالصلاة على جنائزهم، بل الزيارة عندهم والسفر لذلك من باب تعظيمهم لعظم جاههم وقدرهم عند الله، ومقصودهم دعاؤهم أو الدعاء بهم أو عندهم وطلب الحوائج منهم، وغير ذلك مما يقصد بعبادة الله تعالى، ولهذا يقولون: إن من نهى عن ذلك فقد تنقص بهم، فهذا القول مبني على ذلك الاعتقاد والقصد والظن، والنصارى يحجون إلى الكنائس لأجل ما فيها من التماثيل ولأجل من بنيت لأجله، كما يحجون إلى موضع قبر المسيح عندهم، الكنيسة التي يقال إنها بنيت على قبره موضع الصلب بزعمهم. وهم يبنون الكنائس على من يعظمونه مثل جرجس وغيره فيتخذون المعابد على القبور، وهم ممن لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك تحذيرًا لأمته وقال لأمته: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك»؛ رواه مسلم.
وهؤلاء الذين يحجون إلى القبور يقصدون ما يقصده المشركون، الذين يقصدون بعبادة المخلوق ما يقصده العابدون لله.
منهم من قصده قضاء حاجته وإجابة سؤاله، يقول: هؤلاء أقرب إلى الله مني، فأنا أتوسل بهم، فهم يتوسطون لي في قضاء حاجتي كما يتوسط خواص الملك لمن يكون بعيدًا عنه، وقد ينذر لهم أو يأتي بقربان بلا نذر، ويتقربون إليهم بما ينذرونه ويهدونه إلى قبورهم، كما يتقرب المسلمون بما يتقربون به إلى الله من الصدقات والضحايا، وكما يهدون إلى مكة أنواع الهدي". اهـ. مختصرًا.
وقال في كتاب "الإيمان"(ص: 65):
"وكانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض، ولا خلق شيء، بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط؛ كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} [يونس: 18] . وقال عن صاحب يس: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ} [يس:22، 23] . وقال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 51] . وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: 4] ، وقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ* وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23] فنفي عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط من الملك أو يكون عونًا لله ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقال تعالى عن الملائكة: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] . وقال: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26] .
فهذه [الشفاعة] التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن. وأما ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون فأخبر... وذكر حديث الشفاعة في الآخرة، ثم قال: "فتلك الشفاعة هي لأهل الإخلاص بإذن الله". اهـ.
وقال في "معارج القبول" (2/ 523):
"وإن دعا الزائر المقبورَ نفسَه من دون الله عز وجل، وسأل منه ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، من جلب خير أو دفع ضر، أو شفاء مريض أو رد غائب، أو نحو ذلك من قضاء الحوائج: فقد أشرك في فعله ذلك بالله العظيم، المتعالي عن الأضداد والأنداد والكفؤ والولي والشفيع بدون إذنه، وجحد حق الله عز وجل على عباده، وهو إفراده بالتوحيد وعبادته وحده لا شريك له ونفي ضد ذلك عنه؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 117، 118] وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ* وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [يونس: 106, 107] وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] الآيات وقال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] الآيات، وغيرها ما لا يحصى، يخبر الله تعالى أن من دعا مع الله إلها آخر ولو لحظة فقد كفر، وإن مات على ذلك فلا فلاح له أبدًا، ولو فعل ذلك نبيه لكان من الظالمين، وأنه لا كاشف للضر غيره، ولا جالب للخير سواه، وأنه لا أضل ممن يدعو من دونه سواه، وأن من عبد من دون الله يكون عدوًا لعابده يوم القيامة، وكافرًا بعبادته إياه من دون الله تعالى، وأنهم كلهم عباد مثل عابديهم، مخلوقون مربوبون مملوكون تحت تصرف الله وقهره، لا يستجيبون لمن دعاهم، ولا يقدرون على استنقاذ ما استلبه الذباب، فكيف يقدرون على قضاء شيء من حوائج عابديهم؟!
بل قد أخبرنا الله - عز وجل- أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم، ولو سمعوا دعاءه ما استجابوا له، وأخبرنا أن من عبدوهم من الصالحين كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم، أنهم لا يملكون كشف ضر من دعاهم، ولا تحويله من حال إلى حال، بل هم يبتغون الوسيلة إلى ربهم والقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فينبغي للعباد الاقتداء بهم في ذلك الابتغاء والرجاء والخوف من الله عز وجل، لا دعاؤهم دونه؛ تعالى الله عما يشركون". اهـ.
فلينظر الناظرون إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شرع، اتخذوا الشيوخ أندادًا، وصار يقصد بزيارة القبور والأضرحة قضاء الحوائج، وشفاء المرضى وسعة الرزق، بعد أن كانت للعبرة وتذكر القدوة، ونتيجة ذلك كله أن المسلمين رغبوا عما شرع الله إلى ما توهموا أنه يرضي غيره ممن اتخذوهم أنداداً، وصاروا كالإباحيين في الغالب، فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف، وحرموا ما وعد الله به المؤمنين من النصر ؛ قاله العلامة رشيد رضا في "تفسير المنار (2/76)
إذا تقرر؛ علمت أنه لا يجوز زيارة القبور وقراءة الفتحة لصاحب القبر بقصد قضاء الحاجات، وأن هذا من الشرك الأكبر الذي بعث الله نبيه من أجل القضاء عليه، وإنما يشرع التوسل بدعاء الصالحين الأحياء وليس الأموات، كما كان يفعله المسلمون زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده من طلب الدعاء في الاستسقاء وغيره؛ ولذلك طلب الفاروق عمر رضي الله عنه من العباس عم النبي أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء، وعدل عن الاستسقاء بقبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة كانوا يعلمون أن ذلك من جعل الوسائط بين الخلق وبين الله في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وهو من أعظم أسباب كفّر المشركين.
أما الكرامة فهي أمر خارق للعادة، يجريه الله على أيدي الصالحين، وقد وقع كثري منهم للصحابة فمن بعدهم، وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (ص: 79) على أن:
"قد يكون صاحبها وليًا لله، وقد يكون عدوًا لله، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الايمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الاسلام الظاهرة".،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: