لماذا لا يستجاب دعائى رغم أني أدعو بكل ثقة؟
انا عندى 19 سنه وبقالى سنين بدعى أن حاجه تتحقق ومش بتحقق ... خايفه لو الحاجه دى متحققتش أفقد الثقه فى ربنا ومدعيش زى ما كنت بدعى الأول ويكون عندى فتور حد يساعددنى وينصحنى بأي حاجه ويقولك أن ربنا مش هيخذلنى
انا عندى 19سنه وبقالى سنين بدعى أن حاجه تتحقق ومش بتحقق وانا الحمدلله وبفضله مش بسيب قيام الليل وبقرأ قرآن يوميا ومحافظه على اذكار الصباح والمساء ورغم كل ده مفيش حاجه بتمناها بتتم معايا وفى ناس كتير من اللى حواليا معاهم كل الحاجات اللى بتمناها وبدعى ربنا كل يوم بيها رغم أنهم مبيعملوش حاجه صح فى حياتهم بس فى ايدهم حاجات انا مبكسلش ادعى بيها ودائما بدعى تبقى معايا زيهم
انا عايزه حد يقولى أن دعائى هيستجاب وربنا مش هيخذلنى هو عارف انى ضعيفه وحطنى فى اختبارات كتير اكبر منى بس انا صبرت ورضيت ومشتكتش لحد غيره كان نفسى بعد كل الصبر والرضا ربنا يكرمنى بالحاجة اللى بتمناها ميخذلنيش لانى مليش غيره بس كل حاجه كانت ضدى وانا المفروض اكون اقوى من كل ده وانا لوحدى ازاى؟!
خايفه لو الحاجه دى متحققتش أفقد الثقه فى ربنا ومدعيش زى ما كنت بدعى الأول ويكون عندى فتور حد يساعددنى وينصحنى بأي حاجه ويقولك أن ربنا مش هيخذلنى
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمما لا شك فيه أن موانع إجابة الدعاء كثيرة، ومن أظهرها عدم معرفة شأن العبد الفقير الضعيف، وشأن الرب سبحانه الغني القوي!
فما يتعين علينا هو أن ندعو الله تعالى، ولا نستعجله، ولا نقترح صورة معينة للاستجابة، أو تخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، فالله سبحانه يقدِّر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم.
والحاصل أن الدعاء هو إخلاص القلب لله والثقة به، وليس صفقة بين شارٍ وبائع، وإنما هو محض توفيق من الله، والاستجابة فضل آخر منه.
هذا؛ وهناكَ موانعَ وحواجبَ أخرى تحجُبُ وصولَ الدُّعاء واستجابته، يجب انتفاؤها عن الدَّاعي وعن الدُّعاء، فمتى تحقَّق ذلك؛ تحقَّقتِ الإجابةُ.
ومن هذه الموانع:
عدم التَّوبة من جميع المعاصي، والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنَّ المعاصيَ من الأسباب الرئيسية لحَجْبِ الدُّعاء؛ فينبغي للدَّاعي أن يُبَادر بالتَّوبة والاستغفار قبل دعائه؛ قال اللهُ - عزَّ وجلَّ - على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10 - 12].
ومن أخطر الذنوب ما بطن داخل النَّفْس؛ قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام : 120].
ومن يتأمل رسالتك يلاحظ شيئًا من الإثم الباطن، مثل النظر إلى ما تعملين من أعمال صالحة، ونسيت أنها محض فضل من الله، فهو الأول قبل كل شيء، وللتخلص من هذه الخصلة يتعين عليك أن تشهدي أوليته تعالى فى كل شيء، وسبقه بفضله وإحسانه، وأنه قبل الأسباب كلها، ومن ثمرات ذلك عدم الالتفات إلى غيره ولا الوثوق بسواه، والتوكل عليه، من ثَم تحصل حقيقة الافتقار لله، وسبق فضله، وهذا مفيد جدا للعبد حتى لا يرى أعماله ويصح اضطراره، فلا يشهد غير فضل مولاه وسبق منته ودوامه، فيثيبه مولاه على هذه الشهادة العالية بحقيقة الفقر، ويشهد معنى اسمه المنان مع اسمه الأول، فيصير العبد فقيرًا إلى مولاه، ولا شك أن ضدَّ ذلك مانع من موانع استجابة الدعاء.
ومنها: استعجال الإجابة والاستحسار بتَرْك الدُّعاء؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لم يَعْجَلْ، يقول: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي»؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل»، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: «قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
ومنها: عدم حضور القلب أو ضعف الدعاء كما روى الإمامُ أحمد عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «إذا سألتم الله - عزَّ وجلَّ، أيُّها النَّاس - فاسألوه وأنتُم موقِنون بالإجابة، فإنَّ الله لا يَستجيب لعبدٍ دعاهُ عن ظهر قلب غافل»، وفي لفظٍ للتِّرمذي من حديث أبي هريرة: «ادْعوا الله وأنتم مُوقنون بالإِجابة، واعْلموا أنَّ الله لا يَستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاه».
ومن بديع ما قال الإمام ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في كتابه "الدَّاءُ والدَّواءُ": "والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط. فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ".
أما ما نراه من تفاوت الناس في الأرزاق والنعم، فإن وراءه حكم جليلة، فالله تعالى فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فجعل بعضهم غنيًا وبعضهم فقيرًا، وبعضهم قويًا والآخر ضعيفًا، بعضهم ولودًا وغيره عقيمًا؛ وكل هذا لحكم؛ كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71]، وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68]، وهو سبحانه لكمال حكمته وشمول علمه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].
فاحذري من الاستسلام لتلك الخطرات فإنها خطيرة، وفوضي أمرك لله واستسلمي له، وكوني على ثقة أن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء وجهاد للنفس والشيطان، وكل ذلك يحتاج إلى صبر وجهد؛ قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت] .
فالابتلاء يظهر في واقع الناس من مكنونات القلوب حتى لا يقول أحد كيف أبتلى وأنا مستقيم؟! فعلى المسلم الثبات على الطاعة مهما مرت به من ابتلاءات وصعاب، وإلا سيكون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10].
غير أن لحظات الضعف لا يسلم منها المؤمنون الصادقون، ولكنهم سرعان ما ينيبوا لربهم، ويعتصمون بالله.
ولا شك أن المؤمن حينما يرى أصحاب المعاصي في رغد من العيش، فإنه يزداد حزنه، وكلما طال الأمد، وابطأ الرزق كانت الفتنة أشد وأقسى، ولا يعصم المؤمن حينئذٍ إلا صدق اللجوء إلى الله، والتوكل عليه وشدة الضراعة واللوذ بجنابه سبحانه.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: