تحرير الفرق بين بيع السلم وبيع ما ليس عندك
يشكل على الكثير من التجار موضوع بيع السلم وبيع ما لا ليس عندك، انا تاجر اقوم بتوفير قطعة السيارات حسب الطلب ولا استطيع توفيرها الا بعد القبض واعطي المشتري وصفاً دقيقاً للسلعة من اسمها وشكلها وعددها وصناعتها وصوره للمنتج وموعد وصولها وغيرها من الاوصاف المهمه التي تجنب حدوث النزاع ...
يشكل على الكثير من التجار موضوع بيع السلم وبيع ما لا ليس عندك، انا تاجر اقوم بتوفير قطعة السيارات حسب الطلب ولا استطيع توفيرها الا بعد القبض واعطي المشتري وصفاً دقيقاً للسلعة من اسمها وشكلها وعددها وصناعتها وصوره للمنتج وموعد وصولها وغيرها من الاوصاف المهمه التي تجنب حدوث النزاع كم انني اقدم ضمان على السلعة في حالة حدوث مكروه انا المسؤول عنها واعيد له امواله فهل هذا بيع سلم موصوف على الذمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن كان الحال كما ذكرت: أنك تعطي للمشتري وصفاً دقيقاً منضبطًا للسلعة يمنع النزاع ويرفع الجهالة فهو بيع سلم صحيح، مع مراعاة بقية شروط السلم المعروفة كالعلم بالأجل، والثمن، وتسليم رأس مال السلم في مجلس العقد.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني"(3/ 496):
"وإذا وصف المبيع للمشتري، فذكر له من صفاته ما يكفي في صحة السلم، صح بيعه في ظاهر المذهب، وهو قول أكثر أهل العلم.
ولنا، أنه بيع بالصفة، فصح كالسلم، ولا نسلم أنه لا تحصل به معرفة المبيع، فإنها تحصل بالصفات الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهرًا، وهذا يكفي؛ بدليل أنه يكفي في السلم، وأنه لا يعتبر في الرؤية الاطلاع على الصفات الخفية، وأما ما لا يصح السلم فيه، فلا يصح بيعه بالصفة؛ لأنه لا يمكن ضبطه بها" اهـ.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبع ما ليس عندك»، فالمراد به في أصح أقوال أهل العلم، ما ليس عند البائع ولا يقدر على تسليمه، كبيع سيارته المسروقة، فظاهر النهي تحريم بيع ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته، كما قال الشوكاني.
قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 301-302)
"وأما السلم فمن ظن أنه على خلاف القياس توهم دخوله تحت قول النبي - صلى الله عليه وسلم – «لا تبع ما ليس عندك»، فإنه بيع مضمون في الذمة موصوف مقدور على تسليمه غالبًا، وهو كالمعاوضة على المنافع في الإجارة، وقياس السلم على بيع العين المعدومة التي لا يدري أيقدر على تحصيلها أم لا، والبائع والمشتري منها على غرر- من أفسد القياس صورةً ومعنى، وقد فطر الله العقلاء على الفرق بين بيع الإنسان ما لا يملكه ولا هو مقدور له، وبين المسلم إليه في مغل مضمون في ذمته مقدور في العادة على تسليمه، فالجمع بينهما كالجمع بين الميتة والمذكى والربا والبيع.
وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام «لا تبع ما ليس عندك»، فيحمل على معنيين: أحدهما: أن يبيع عينًا معينة وهي ليست عنده، بل ملك للغير، فيبيعها ثم يسعى في تحصيلها وتسليمها إلى المشتري.
والثاني: أن يريد بيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، وهذا أشبه، فليس عنده حسًا ولا معنى، فيكون قد باعه شيئًا لا يدري هل يحصل له أم لا؟
وهذا يتناول أمورًا:
أحدها: بيع عين معينة ليست عنده.
الثاني: السلم الحال في الذمة إذا لم يكن عنده ما يوفيه.
الثالث: السلم المؤجل إذا لم يكن على ثقة من توفيته عادة، فأما إذا كان على ثقة من توفيته عادة فهو دين من الديون، وهو كالابتياع بثمن مؤجل، فأي فرق بين كون أحد العوضين مؤجلاً في الذمة وبين الآخر؟! فهذا محض القياس والمصلحة، وقد قال - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، وهذا يعم الثمن والمثمن، وهذا هو الذي فهمه ترجمان القرآن من القرآن عبد الله بن عباس فقال: "أشهد أن السلف المضمون في الذمة حلال في كتاب الله، وقرأ هذه الآية".
فثبت أن إباحة السلم على وفق القياس والمصلحة، وشرع على أكمل الوجوه وأعدلها، فشرط فيه قبض الثمن في الحال، إذ لو تأخر لحصل شغل الذمتين بغير فائدة، ولهذا سمي سلمًا لتسليم الثمن". اهـ. مختصرًا.
وقال في زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 719)
"ورأيت لشيخنا في هذا الحديث فصلاً مفيدًا وهذه سياقته:
قال: للناس في هذا الحديث أقوال قيل: المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير، فيبيعها، ثم يتملكها، ويسلمها إلى المشتري، والمعنى: لا تبع ما ليس عندك من الأعيان، ونقل هذا التفسير عن الشافعي، فإنه يجوز السلم الحال، وقد لا يكون عند المسلم إليه ما باعه، فحمله على بيع الأعيان؛ ليكون بيع ما في الذمة غير داخل تحته سواء كان حالاً أو مؤجلاً.
وقال آخرون: هذا ضعيف جدًا، فإن حكيم بن حزام ما كان يبيع شيئًا معينًا هو ملك لغيره، ثم ينطلق فيشتريه منه، ولا كان الذين يأتونه يقولون: نطلب عبد فلان، ولا دار فلان، وإنما الذي يفعله الناس أن يأتيه الطالب، فيقول: أريد طعامًا كذا وكذا، أو ثوبًا كذا وكذا، أو غير ذلك، فيقول: نعم أعطيك، فيبيعه منه، ثم يذهب، فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده، هذا هو الذي يفعله من يفعله من الناس.
لقول الثاني – قول الإمام أحمد وطائفة - قالوا: الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السلم إذا لم يكن عنده، لكن جاءت الأحاديث بجواز السلم المؤجل، فبقي هذا في السلم الحال.
والقول الثالث: وهو أظهر الأقوال: إن الحديث لم يُرد به النهي عن السلم المؤجل، ولا الحال مطلقًا، وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكًا له، ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه، ويضمنه ويقدر على تسليمه، فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه، فيُلزم ذمتَه بشيء حال، ويربح فيه، وليس هو قادرًا على إعطائه، وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل، فهو من نوع الغرر والمخاطرة، وإذا كان السلم حالاً وجب عليه تسليمه في الحال، وليس بقادر على ذلك، ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه، وربما أحاله على الذي ابتاع منه، فلا يكون قد عمل شيئًا، بل أكل المال بالباطل؛ وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرًا على الإعطاء، فهو جائز، وهو كما قال الشافعي: إذا جاز المؤجل، فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم... فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقًا، بل قال: «لا تبع ما ليس عندك»، علم أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه، وما ليس كذلك، وإن كان كلاهما في الذمة". اهـ.
إذا تقرر هذا، فالصورة المسؤول عنها جائزة بشرط تسليم ثمن المبيع في المجلس، فإن لم يسلم ثمن المبيع فهو وعد غير لازم بالبيع، ولا يجوز إتمام البيع إلا بعد حيازة المبيع؛ لأنه حينئذ يكون بيع دين في الذمة بدين في الذمة وهو باطل بالإجماع،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: