حتى يغنيهم الله من فضله

منذ 2019-08-28

هذه الآية الكريمة جاءت في سياق عدد من الآيات التي تحذر من الزنا وتنهى عنه وتسد جميع السبل المفضية إليه، كما تضمنت العلاج الناجع العاصم -بإذن الله- من هذه الفاحشة، وهو النكاح والسعي في تحصيله..

السؤال:

ما حكم كلمة "حتى" في الآية الكريمة {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}؟ هل هي تأكيد ووعد من الله -سبحانه وتعالى-؟ وبث الأمل في قلب الصابر؟ وهل هذا الفضل سيجزى به في الدنيا؟ وما هو هذا الفضل هل هو زوج لمن لا زوج لها أو زوجة لمن لا زوجة له؟ وأخيراً يا شيخ أسألك أن تدعو لي بأن يفرج الله همي، وجزاكم الله خيراً.

الإجابة:

هذه الآية الكريمة جاءت في سياق عدد من الآيات التي تحذر من الزنا وتنهى عنه وتسد جميع السبل المفضية إليه، كما تضمنت العلاج الناجع العاصم -بإذن الله- من هذه الفاحشة، وهو النكاح والسعي في تحصيله، ولذا قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32]،

وهذا خطاب للمجتمع المسلم كله باعتباره كياناً واحداً بأن يسعى في تزويج الرجال والنساء، وأن ييسر أسبابه ويذلل عقباته، ونهى تعالى عن جعل الفقر وقلة ذات اليد ذريعة تحول دون تزويج الرجل أو المرأة، بل وعد تعالى ـ ووعده الحق ـ أن يغنيهم من فضله، يقول تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32]، وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي (1655) وغيره ـ بسند حسن ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -; قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; «ثلاثةٌُ حقٌُّ على الله عونهم المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»،

ومع هذا الأمر والوعد منه تعالى، فقد يوجد من الرجال والنساء من لا تتيسر له أسباب النكاح، ولهذا أرشدهم تعالى إلى الاستعفاف إلى أن يهيئ لهم تعالى من يعينهم على أمر النكاح، والاستعفاف هو بذل الوسع في تحصيل الأسباب التي تعين على تجنب الوقوع في فاحشة الزنا، والاجتهاد في البعد عن السبل المفضية إليه والوسائل الداعية إليه، يقول تعالى:{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 32] فقوله: {لا يجدون نكاحا}المراد به على الصحيح من كلام أهل العلم كل مريد للنكاح تعذرت عليه أسبابه، قال ابن عطية رحمه الله في المحرر الوجيز: (فأمر الله تعالى في هذه الآية كل من يتعذر عليه النكاح ولا يجده بأي تعذر أن يستعف..)، وعلى هذا فالفضل الذي وعد به تعالى في هذه الآية لفظ مطلق يشمل كل ما يعين على تيسير النكاح وتحققه، والرجل والمرأة في هذا سواء. بقي أن أوصيك أختي الكريمة بوصية الله تعالى لكحيث قال: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 32]، ولتعلمي أن الاستعفاف يكون بأمرين أشارت إليهما الآيات في سورة النور،

أولهما: البعد عن المواطن التي تدعو إلى الفاحشة، والحذر من الأسباب التي تفضي إليها، فكل ما يثير الشهوة ويدعو إليها يجب الابتعاد منه والإعراض التام عنه. والأمر الآخر: يكون بالسعي في تحصيل النكاح وإعفاف النفس به، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه عند البخاري (1905)، ومسلم (1400) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»،

ومن هذا الباب فلا حرج عليك أن تجتهدي في طلب النكاح ولكن بالوسائل المشروعة التي لا تبعث على الريبة والتهمة، كأن يكون ذلك بواسطة بعض محارمك الرجال أو قريباتك وأخواتك من النساء اللائي تثقين في دينهن وسداد رأيهن، وأخيراً فأبشرك بوعد الله تعالى لك ولكل من اتقى ربه يقول تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 2-3] وقوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق: 4]، فأبشري وأملي وثقي بوعد ربك، أسأل الله تعالى أن يهيئ لك من أمرك رشداً، وأن يبلغك أملك ومرادك. هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

ناصر بن محمد الماجد

الأستاذ المشارك في كلية أصول الدين في قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية