حكم نشر الأغاني والموسيقا على مواقع التواصل
فتَحْرُيم المعَازف ثابت بإجماع أهل العلم، وقد حكى الإجماع على التحريم غير واحدٍ من أهل العلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا اردت ان اعرف اذا ماكان نشر الاغاني او الموسيقى بشكل عام محرم ام حلال؟ حاولت البحث لكني محتاره لان البعض حرمها والبعض نفى تحريمها لذلك لجأت الى صلاة الاستخاره لمعرفة الجواب وفعلا صليت الاستخاره وارتحت للموضوع لكني اردت ان اتأكد فصليتها مرتين بعد ذلك وكانت النتيجه ايضا راحة قلبي لفعل ذلك فما باعتقادكم الجواب لسؤالي هل ارد على راحة قلبي بعد الصلاه ام ماذا؟ ارجوا افادتي بأسرع وقت وشكراً جزيلاً
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فإن الاستخارة ليس هو الفعل المناسب على المسلم عند اختلاف الآراء عليه؛ وإنما الواجب إتباع الدليل من الكتاب والسّنَّة والإجماع؛ فالله سبحانه وتعالى فَرَض على الخلق طاعتَهُ وطاعةَ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - ولم يُوجب طاعة أحد آخر، فيتعين اتباع القول الموافق للدليل الصحيح، ولا يعدل عنه ولقول أحد كائنًا مَن كان؛ لأنَّ الله فَرَضَ طاعته وطاعة رسوله - صَلَّى الله عليه وَسَلَّم - على كل أحد في كل حين، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، وهذا متَّفق عليه بين أئمَّة المسلمين؛ قال الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
ومن لم يمكنه فهم الدليل فيما أشكل عليه يسأل مَن يثق في علمه وورعِه كما قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
هذا؛ ومن علم أدلة هذه المسألة ومذاهب أهل العلم فيها، وظهر له أما يحدثه الغناء والموسيقا في القلب- أيقن أن رواج القول بإباحة الموسيقا سببه الغفلة أو الران الذي يعلو القلب من كثرة السماع المحرم، أو من إلف المعصية؛ فإن القلب إذا كان فيه بقية حياةٍ فلابد أن يؤثر فيه الغناء والموسيقا تأثيرًا سلبيًا فيشعر بالفارق، وأما إن مرض القلب مرضًا شديدًا أو مات، فإنه لا يشعر بالفارق لأن القلب يكون على حالة واحدة "وما لجرح بميت إيلام"؛ كما بين تلك الحال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – "تُعرضُ الفِتَنُ على القلوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأَىُّ قلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكتَ فِيهِ نُكتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبيَضَ مثْلِ الصَّفا، فلا تضرُّه فتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوات والأَرض، والآخرُ أسود مُربادًّا كالكُوزِ مُجَخيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا ينْكِر منكرًا إلاَّ ما أشْرب من هَواه".
ومن تأمل ما أجاب به حب الأمة ابن عباس رضى الله عنهما لما سأله رجل: "ما تقول فى الغناء، أحلال هو أم حرام؟ فقال: لا أقول حرامًا إلا ما في كتاب الله، فقال: أفحلال هو؟ فقال: ولا أقول ذلك، ثم قال له: أرأيت الحق والباطل، إذا جاء يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك".
ولا شك أن جواب ابن عباس رضى الله عنهما عن غناء الأعراب، الذى ليس فيه ما في غناء زماننا! ولو رأى غناء زماننا وسمع موسيقاه لقال أعظم قول، فإن مضرته وفتنته فوق مضرة شرب الخمر بكثير، وأعظم من فتنته، ومن أبطل الباطل أن تأتى شريعة بإباحته، وقياسه على ما ورد من غناء الجارية الصغيرة وبانشاد طلع البدر علينا وما شابه، فقياسه من جنس قياس الربا على البيع، والميتة على المذكاة، والزنا على النكاح.
فتَحْرُيم المعَازف ثابت بإجماع أهل العلم، وقد حكى الإجماع على التحريم غير واحدٍ من أهل العلم؛ منهم الإمام القرطبيّ، وأبو الطيِّب الطَّبريّ، وابن الصلاح، وابن رجب الحنبليّ، وابن القيِّم، وابن حجر الهَيْتَمِيّ.
قال الإمام القرطبيُّ – رحمه الله -: "أما المزامير والأوتار والكُوبَة (الطبل)؛ فلا يُختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحدٍ ممن يُعتَبرُ قوله من السَّلَف وأئمة الخَلَف مَنْ يبيح ذلك. وكيف لا يَحْرُم وهو شعار أهلالخمور والفِسْق، ومهيِّج الشَّهوات والفساد والمجون؟! وما كان كذلك لم يُشكّ في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه".
حت عدّه ابن حجر الهَيْتَمِيُّ من الكبائر في كتابه "الزواجر، عن اقتراف الكبائر": "الكبيرة السادسة، والسابعة، والثامنة، والتاسعة والأربعون، والخمسون، والحاديةوالخمسون بعد الأربعمائة: ضَرْبُ وترٍ واستماعه، وزَمْرٌ بمزمار واستماعه، وضَرْبٌ بكُوبةٍ واستماعه".
وقد دلَّت على ذلك الأدلة من الكتاب والسُّنة:
فمنها: حديث أبي مالك الأشعري - رضيالله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلُّون الخمر، والحِرَ، والحرير، والمعازف"؛ أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم؛ فهو صحيحٌ.
ولفظ (المعازف) عامٌّ، يشمل جميع آلات اللهو؛ فتَحْرُمُ، إلا ما ورد الدليل باستثنائه كالدفِّ؛ فهومباحٌ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم –: "يستحلُّون"، من أقوى الأدلة على تحريم المعازف؛ إذلو كانت المعازف حلالاً؛ فكيف يستحلُّونها؟!
وأيضاً: دلالة الاقتران في الحديث تفيدالتحريم؛ حيث قَرَنَ المعازف مع الخمر والحرير والحِرَ - (الزنا) - وهي محرَّماتٌ قطعاً، بالنصوالإجماع.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوتان ملعونان في الدنياوالآخرة، مزمارٌ عند نغمة، ورنَّةٌ عند مصيبة"؛ رواه البزَّار بسند حسن.
ومنها: قوله - صلى اللهعليه وسلم -: "إني لم أنْهَ عن البكاء، ولكني نهيْتُ عن صوتَيْن أحمقَيْن فاجرَيْن: صوتٌ عندنغمة؛ لهوٍ ولعبٍ ومزامير شيطان، وصوتٌ عند مصيبةٍ؛ لطمُ وجوهٍ، وشقُّ جيوبٍ، ورنَّةُ شيطانٍ"؛ رواهالحاكم، والبيهقي، وابن أبي الدنيا.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن اللهحرَّم عليَّ - أو حرَّم - الخمر والمَيْسر والكُوبَة، وكلُّ مُسْكرٍ حرامٌ"؛ رواه أبو داود، وأحمد،والبيهقي. والكُوبَة: الطَّبْل.
ابن القيِّم - رحمه الله – في "إغاثة اللَّهفان": "إنك لا تجد أحدًا عُنيَ بالغناء وسماع آلاته - إلاَّ وفيه ضلالٌ عن طريق الهُدى علمًا وعملاً، وفيه رغبةٌ عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عَرَضَ له سماع الغناء وسماع القرآن عَدَلَ عن هذا إلى ذاك، وثَقُلَ عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يُسْكِت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغنِّي ويستقصر نَوْبَتَه، وأقلّ ما في هذا: أنْ يناله نصيبٌ وافرٌ من هذا الذمِّ - إن لم يَحْظَ به جميعه - والكلام في هذا مع مَنْ في قلبه بعض حياةٍ يحسُّ بها فأمَّا مَنْ مات قلبه وعَظُمَتْ فتنته؛ فقد سَدَّ على نفسه طريق النَّصيحة: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [ المائدة: 41]". انتهى.
وقال أيضًا: "اعلم: أن للغناء خواصَّ لها تأثيرٌ في صَبْغ القلب بالنِّفاق، ونَباتَه فيه كنَبات الزَّرع بالماء. فمن خواصِّه: أنه يُلهي القلب، ويصدَّه عن فَهْم القرآن وتدبُّره، والعمل بما فيه، فإنَّ الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدًا لما بينهما من التَّضادِّ، فإنَّ القرآن ينهى عن اتِّباع الهوى، ويأمر بالعفَّة، ومُجانَبة شهوات النُّفوس، وأسباب الغيِّ، وينهى عن اتِّباع خطوات الشَّيطان، والغناء يأمر بضدِّ ذلك كلِّه، ويحسِّنه، ويهيِّج النفوس إلى شهوات الغيِّ؛ فيثير كامِنها، ويزعج قاطنها، ويحرِّكها إلى كلِّ قبيح، ويسوقها إلى وصْل كلِّ مليحةٍ ومليح، فهو والخمر رضيعا لَبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رِهانٍ". اهـ.
ولمزيد فائدة راجعي تمام البحث في: "إغاثة اللَّهفان من مصايد الشيطان" لابن القيِّم.
إذا تقرر فلا يجوز نشر الأغاني والموسيقا على مواقع التواصل أو غيرها، وهو من الدلالة على الشر؛ ففي الصحيح سول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: