فُراق الأحبة..
استعِيني بالله وأصدقي اللجوء إليه، واستشعري معيَّته وقُربَه سبحانه ورعايته، وأن الفراق من سنن الدنيا.
سلام الله عليكم،، منذ ان افترقت عن اصدقائي وذهبت الى مدرسة جديده، اصبحت لا ارغب التكلم مع اي احد ،اصبحت انظر للحياة نظرة بؤس، اصبحت لا اجالس احد بالمدرسة الجديده ولا اشاركهم الضحك، حتى في البيت لاحظ ابواي واخوتي تغيري، اصبحت لا اجالس الا القران، لا اريد أن أكون ساخطة على قدر الله، انني راضية لكن عقلي لا يستوعب فكرة الابتعاد عن احبتي او حتى موت احد منهم،، ارشدوني فإني اخاف ان اضل الطريق
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن ما تشعرين به بسبب فراق زملاء الدراسة أمر عادي يحصل مع الانتقال من مرحلة لمرحلة، ولكنه يمر بالصبر وبالاستَعِانة بالله تعالى، وفراق الأحبة هو من جملة ما يمر بالإنسان من ابتلاء ويتغلب عليه بالمصابرة والرضا، وطرح الوساوس الشيطان، وقطع الاسترسِال مع الخطرات والأحزان، وما أجمل ما قال الشيخ عبدالقادر: يا بنيَّ، إنَّ المصيبة ما جاءت لتُهلكك، وإنما جاءت لتَمتحن صبرك وإيمانك، يا بُنيَّ القدَر سبع، والسبع لا يأكل الميتة؛ كما في الآداب الشرعية لابن مُفلح.
تذكري وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعِن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدُر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان".
وقراءة القرآن الكريم بتدبُّر شفاء للروح والقلب في تلك الأوقات العصيبة؛ قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155، 156]، وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]؛ قال بعض السلف: هو الرجل تُصيبه المصيبة فيَعلم أنها مِن عند الله فيَرضى ويُسلِّم.
واستعِيني بالله وأصدقي اللجوء إليه، واستشعري معيَّته وقُربَه سبحانه ورعايته، وأن الفراق من سنن الدنيا، كما في الحديث الذي رواه الطبراني وغيره عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال جبريل صلى الله عليه وسلم: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك لاقيه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس"، أي تأمل من تصاحب من الإخوان عالمًا بأنه لابد من مفارقته، فلا تسكن إليه بقلبك، فلا بد لكل إنسان من مجاهدة فراق ما يحبه وما فيه فرحه من أسباب الدنيا.
قال في "التنوير شرح الجامع الصغير" (1/ 286):
"وأحبب من أحببت فإنك مفارقه": إرشاد إلى قطع العلائق عن محبة كل من غاية حبه الفراق، ودلالة على محبة الإنسان لمن يلازمه، حيث كان في الدنيا في اليقظة والمنام والصحة والسقام، والغنى والإعدام، والشدة والرخاء، والممات والمحيا، فهو معه في لحده وقبره وحشره ونشره، وذلك مولاه الذي أوجده من العدم وغمره بما لا يحصيه من النعم، وهو الذي ينجيه من كل كرب وهم وغم وهو الذي يشفيه إن مسَّه السقم".
والحاصل أن على العاقل أن يوطن نفسه على فراق كل من أحببه؛ ليهون عليه فراقه، وأن يجعل همه ما يقربه ممن لا يفارقه في دار الدنيا ولا البرزخ ولا الآخرة، وهو الله وحده لا شريك له.
وأكثري من أدعية نفريج الهم والكرب،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: