حكم اليمين الكاذب لإثبات الحق
واستدلَّ أهل العلم بحديث أم كلثوم - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس؛ فينمي خيرًا، أو يقول خيرًا)).
يوجد قضية بيني وبين خصمي والخصم ناكر جزء من المبلغ ومستعد يحلف كذب وانا في نقطة معينة لو حلفت كاذب استرد حقي بالكامل افتونا جزاكم الله خيرا
فقد رخَّص بعض أهل العلم في الحلف كاذبًا، إن كان فيه مصلحة شرعية راجحة لا تؤخذ إلا بهذه الطريقة؛ من جلب نفع، أو دفع ضر، ولا تتحقق دون الكذب، وقد يجب إن كان لحماية نفس مسلم أو ماله، وإن كان المقصود من الحلف كذبًا الوصول لحقٍّ لن يصل إليه إلا بذلك.
واستدلَّ أهل العلم بحديث أم كلثوم - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس؛ فينمي خيرًا، أو يقول خيرًا))؛ متفق عليه.
وزاد مسلم، قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس، إلا في ثلاث؛ تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وروى أبو داود عن سويد بن حنظلة، قال: خرجنا نريد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرَّج القومُ أن يحلفوا، وحلفتُ أنه أخي، فخلَّوا سبيله، فأتينا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرته أن القوم تحرَّجوا أن يحلفوا، وحلفتُ أنه أخي، قال: ((صدقتَ؛ المسلم أخو المسلم)).
وهو دليل على الكذب في الحلف، إذا دعت ضرورة أو حاجة ماسة، مثل: إنقاذ نفس المسلم، أو ماله، أو نحو ذلك؛ نظرًا للمصلحة الراجحة.
قال الإمام النووي في كتاب "الأذكار": "فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماء ما يباح منه، وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا، فالكذب فيه حرام؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق، فالكذب فيه مباح؛ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجب إن كان المقصود واجبًا.
فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها، وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهرًا، وجب ضمانها على المودع المخبر، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ويوري في يمينه، فإن حلف ولم يور، حنث على الأصح، وقيل لا يحنث...
وينبغي أن يقابل بين مفسدة الكذب والمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدة في الصدق أشد ضررًا، فله الكذب، وإن كان عكسه، أو شك، حرم عليه الكذب". اهـ. موضع الشاهد منه.
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج": "وله جحد من جحده، إذا كان له على الجاحد مثل ما له عليه، أو أكثر منه، فيحصل التقاص، وإن لم توجد شروطه للضرورة، فإن كان له دون ما للآخرين عليه، جحد من حقِّه بقدره". اهـ.
وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على "الشرح الكبير": "إذا كان شخصان لكل منهما حق على الآخر، فجحدَ أحدُهما حقَّ صاحبه، فللآخر جحد ما يُعادله، وله أن يحلف ويُحاشي؛ أي: يوري". اهـ.
وقال ابن القَيِّم - رحمه الله -: "يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقِّه". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: