حكم فسخ الخطوبة بسبب فساد والد المخطوبة
فلا ينبغي لك ترك خطيبتك من أجل وقوع والدها في الردة، لا سيما أنه قد تاب، ولاشك أنه كلما كان أسرة المرأة دينة وذات خلق كان أفضل، ولكن عند الترجيح يقدم استقامة المرأة.
خطبت فتاة ذات خلق ودين وأمها وأخوالها ذوو أخلاق كريمة ودين واتفقنا على المهر وغيره ولكن دخلت عليهم ذات مرة فوجدت أباها يضرب أخاها (ويسب له الدين) فدارت في نفسي أفكار عن فسخ الخطوبة ولكن كنت أرد على نفسي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى وأن أحدا لا يختار أهله ولا أباه. ولما اتصلت بأبيها بعد ذلك وأنكرت عليه قال لي أنه استغفر الله واغتسل في هذه الليلة مع العلم أنه يصلي. فهل من الحكمة فسخ الخطوبة لهذا السبب ؟؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمن المعلوم أن معيار الفضل عند الله تعالى هو التقوى والعمل الصالح، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المعايير التي ينبغي اختيار الزوجة على أساسها هو صلاح الدين، وحسن المخالطة مع الزوج، وأن تكون أحفظ وأصون لنفسها وماله، بغض النظر عن النسب أو صلاح أهل الزوجة أو غيرهما قال مطلوب ولكن مع الحرص على أن تكون المرأة صاحبة خلق ودين؛ فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما رواه الشَّيخان عن أبي هُرَيرة - رضي الله عنه -: ((تُنْكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين - تربت يداك))، وقال: ((المَرْأة تُنْكَح على دينِها، ومالِها، وجَمالها، فعليْك بذات الدين - ترِبت يداك))؛ رواه مسلم عن جابر.
والحكمة من هذا أن هو طول الحياة الزوجية، وكثرة الخلطة والعشرة، وهما يتطلبان الخلق والدين، حتى وإن كانت ترجع إلى أصل سيئ مادامت متصفة بالاستقامة، فلا يضرها فساد أسرتها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وروى أحمد والترمذي وصححه عن عمرو بن الأحوص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع للناس يوم الحج الأكبر: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده"؛ والحديث صححه الألباني.
وقوله: "لا يجني جان إلا على نفسه"، أي أن الإثم قاصر على صاحبه ولا تتعداه إلى غيره ولا يتعدى إثم جناية أحد إلى غيره.
أما ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من الزواج ممن نشأت في أسرة غير مستقيمة، فالأحاديث كلها لا تثبت، كقوله: "إياكم وخضراء الدمن! "، فقيل يا رسول الله: وما خضراء الدمن؟ فقال: "المرأة الحسناء في المنبت السوء"، فهو حديث ضعيف جدا، رواه القضاعي في "مسند الشهاب" (ق 81 / 1)، من طريق الواقدي.
وروي أيضًا "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، "وانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس"، أخرجه ابن عدي (6/178)، والقضاعي (638)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1007)، وفي لفظ: "تزوجوا في الحجز الصالح فإن العرق دساس"، أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1015)، وله ألفاظ وكلها ضعيفة جدًا أو موضوعة.
إذا تقرر هذا، فلا ينبغي لك ترك خطيبتك من أجل وقوع والدها في الردة، لا سيما أنه قد تاب، ولاشك أنه كلما كان أسرة المرأة دينة وذات خلق كان أفضل، ولكن عند الترجيح يقدم استقامة المرأة،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: