حكم من تعاون مع الكفار لإيذاء المسلمين

منذ 2020-10-28
السؤال:

ما حكم من قال لجماعة من ‏المسلمين: إنكم مرتدون، بسبب ‏تعاونهم مع الكافر لإيذاء المسلمين؟ ‏وهل تنطبق عليهم الآية: {ومن ‏يتولهم منكم فإنه منهم}؟ ‏أرجو الإجابة.‏وشكرا.‏

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على ‏رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما ‏بعد:‏

فقد سبق أن أجبنا الأخ السائل عن ‏معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ‏مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: 51]. ‏ونبهناه إلى ضرورة مراعاة أن هذه ‏الموالاة المنهي عنها، منها ما يكون ‏معصية فقط، ومنها ما يصل إلى ‏الكفر.

وأما الحكم على جماعة من ‏المسلمين بالردة، بسبب تعاونهم مع ‏الكافر لإيذاء المسلمين، فإن كان ‏المراد بذلك الحكم على أعيانهم ‏بالكفر، فهذا لا بد فيه ـ وإن وقعوا ‏في الكفر الأكبر ـ من توفر شروط ‏التكفير، وانتفاء موانعه، ومن ذلك ‏أن يكون بالغا، عاقلا، مختارا، غير ‏معذور بجهل، أو تأويل.

وقد سبق ‏لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير، ‏وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من ‏وقع في الكفر، وقع الكفر عليه، ‏وذلك في عدة فتاوى.

وأما كفر النوع، أو الحكم على هذا ‏الفعل دون فاعله بأنه من أنواع ‏الكفر الأكبر، ففي هذا تفصيل، ذكره ‏الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد ‏العزيز الجبرين في بحثه: (الولاء ‏والبراء، وأحكام التعامل مع الكفار ‏والمبتدعة والفساق) المنشور في ‏مجلة البحوث الإسلامية -وهي ‏مجلة دورية، تصدر عن الرئاسة ‏العامة لإدارات البحوث العلمية، ‏والإفتاء، والدعوة والإرشادـ فقال: ‏إعانة الكفار على المسلمين، سواء ‏أكانت بالقتال معهم، أم بإعانتهم ‏بالمال، أو السلاح، أم كانت ‏بالتجسس لهم على المسلمين، أم ‏غير ذلك، تكون على وجهين:

ـ الوجه الأول: أن يعينهم بأي إعانة، ‏محبة لهم، ورغبة في ظهورهم على ‏المسلمين، فهذه الإعانة كفر مخرج ‏من الملة. ‏

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي، في ‏تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ ‏فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: "وذلك الظلم ‏يكون بحسب التولي، فإن كان توليا ‏تاما، كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة ‏الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما ‏هو غليظ، وما هو دون ذلك".

وقال ‏أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ ‏يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}: "إن التولي ‏التام، يوجب الانتقال إلى دينهم، ‏والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم ‏يتدرج شيئا فشيئا حتى يكون العبد ‏منهم".

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد ‏الرحمن بن حسن بعد ذكره لقصة ‏حاطب، ونزول صدر سورة ‏الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ‏تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}‏الآيات في شأن حاطب، قال: "فدخل ‏حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ‏ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، ‏وله خصوص السبب، الدال على ‏إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما ‏يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، ‏وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ‏ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله ‏صلى الله عليه وسلم: «صدقكم، خلوا ‏سبيله» ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، ‏إذ كان مؤمنا بالله ورسوله، غير ‏شاك، ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك ‏لغرض دنيوي، ولو كفر لما قال: ‏‏(خلوا سبيله). ولا يقال: قوله صلى ‏الله عليه وسلم: «ما يدريك لعل الله ‏اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما ‏شئتم، فقد غفرت لكم» هو المانع ‏من تكفيره؛ لأنا نقول: لو كفر لما ‏بقي من حسناته ما يمنع من لحاق ‏الكفر وأحكامه؛ فإن الكفر يهدم ما ‏قبله، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ ‏بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}، وقوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا ‏يَعْمَلُونَ}والكفر محبط للحسنات، ‏والإيمان بالإجماع؛ فلا يظن هذا. ‏

وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ ‏فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وقوله:{لَا تَجِدُ قَوْمًا ‏يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ ‏مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وقوله: {يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا ‏دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا ‏الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ‏وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فقد ‏فسرته السنة، وقيدته، وخصته ‏بالموالاة المطلقة العامة. وأصل ‏الموالاة هو: الحب، والنصرة، ‏والصداقة، ودون ذلك مراتب ‏متعددة، ولكل ذنب حظه، وقسط من ‏الوعيد والذم" انتهى كلام الشيخ عبد ‏اللطيف -رحمه الله-.‏ ‏

وقد حكى غير واحد من أهل العلم ‏إجماع العلماء على أن إعانة الكفار ‏على المسلمين، محبة لهم، ورغبة ‏في انتصارهم على الإسلام ‏وأهله، كفر مخرج من الملة.

ـ الوجه الثاني: أن يعين الكفار على ‏المسلمين بأي إعانة، ويكون الحامل ‏له على ذلك مصلحة شخصية، أو ‏خوفا، أو عداوة دنيوية بينه وبين ‏من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه ‏الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر ‏الذنوب، ولكنها ليست من الكفر ‏المخرج من الملة. ومن الأدلة على ‏أن هذه الإعانة غير مكفرة: ما حكاه ‏الإمام الطحاوي من إجماع أهل العلم ‏على أن الجاسوس المسلم لا يجوز ‏قتله، ومقتضى ما حكاه الطحاوي أنه ‏غير مرتد. ومستند هذا الإجماع: أن ‏حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- ‏قد جس على النبي صلى الله عليه ‏وسلم، وعلى المسلمين في عزوة ‏فتح مكة، فكتب كتابا إلى مشركي ‏مكة يخبرهم فيه بمسير النبي صلى ‏الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي ‏عليه الصلاة والسلام قد أخفى وجهة ‏سيره؛ لئلا تستعد قريش للقتال، ‏وكان الدافع لحاطب، ولكتابة هذا ‏الكتاب هو مصلحة شخصية، ومع ‏ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه ‏وسلم بردته، ولم يقم عليه حد الردة، ‏فدل ذلك على أن ما عمله ليس كفرا ‏مخرجا من الملة. ‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند ‏كلامه على الكفار: "وقد تحصل ‏للرجل موادتهم لرحم، أو حاجة، ‏فتكون ذنبا ينقص به إيمانه، ولا ‏يكون به كافرا، كما حصل من حاطب ‏لما كاتب المشركين ببعض أخبار ‏النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل ‏الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ‏تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ ‏إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} وكما حصل لسعد بن ‏عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة ‏الإفك، فقال لسعد بن معاذ: والله لا ‏تقتله، ولا تقدر على قتله. قالت ‏عائشة: وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ‏ولكن احتملته الحمية. ولهذه الشبهة ‏سمى عمر حاطبا منافقا .. فكان عمر ‏متأولا في تسميته منافقا للشبهة ‏التي فعلها".

فإذا ثبت أن ما فعله حاطب ليس ردة ‏‏-وهذا مجمع عليه-مع أن رسالته لو ‏وصلت إلى مشركي مكة لاستعدت ‏قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد ‏إليه النبي صلى الله عليه وسلم من ‏تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله ‏حاطب إعانة عظيمة للكفار في ‏حربهم للمسلمين في غزوة من أهم ‏الغزوات الفاصلة في الإسلام -إذا ‏ثبت ذلك، علم أن الإعانة لا تكون ‏كفرا حتى يكون الحامل عليها محبة ‏الكفار، والرغبة في انتصارهم على ‏المسلمين. اهـ.‏

والله أعلم.‏

الشبكة الإسلامية

موقع الشبكة الإسلامية