الفلوجة.. قطرة في أتون غضب !
منذ 2004-11-23
تحت عنوان "زيادة ضئيلة تافهة" كتب المحلل البريطاني المستقل جوين داير - الذي تنشر مقالاته في 45 دولة- بصحيفة "اكسبريس ترينداد" اليومية اللاتينية الصادرة السبت 3 أبريل 2004، معلقًا على أحداث الفلوجة الأخيرة ومحاولاً البحث في تداعيات هذه الأحداث على الوجود الأمريكي في العراق ، ومشيرًا إلى التشابه بينها وبين أحداث مقديشو في التسعينيات.
الفلوجة ومقديشو
يقول داير: في الوقت الذي بدأ فيه محللون أمريكيون المقارنة بين ما حدث في الفلوجة من حرق للجنود الأمريكان وبين ما حدث في 1993 بالصومال عندما سحل الصوماليون جنديا أمريكيا، الأمر الذي قاد مباشرة إلى انسحاب القوات الأمريكية من الصومال؛ يخرج علينا العميد مارك كيميت، نائب مدير العمليات لقوّات الاحتلال الأمريكية في العراق، واصفًا الأحداث بأنها مجرد "زيادة ضئيلة تافهة في المعارك الداخلية" !!
وبرغم أن كلام كيميت قد يبدو مجرد ادعاءات في ظاهره إلا أن داير يوافق كيميت في أن قتل أربعة مقاولين أمريكيين وتشويههم في الفلوجة كان فقط مجرد "زيادة ضئيلة تافهة" في المعارك بالعراق، مُرجعًا ذلك إلى أن الوضع من أساسه في تدهور مستمر ففي الثماني والأربعين ساعة السابقة على الحادثة فقط أصيب جنديان بريطانيان في هجوم بالبصرة في الوقت الذي هوجمت فيه نقطة تفتيش أمريكية، كما هوجمت محطة تجنيد شبه عسكرية عراقية في بغداد، وقتل جندي أمريكي قرب الرمادي، وألقيت قنبلة على منزل رئيس الشرطة في الحلة، كما قتل جندي بحرية أمريكي قرب الفلوجة، وجرح العديد منهم في الموصل، كما قتل خمسة جنود بحرية بقنبلة على الطريق، وجرح خمسة عشر عراقيًّا في انفجار سيارة مفخّخة ببعقوبة.. وبمعنى آخر فإن ما حدث للمقاولين الأمريكيين الأربعة في الفلوجة كان - حسب داير- "مجرد قطرة" في سياق تدهور الوضع الأمني بالعراق.
تعتيم إعلامي
وبالطبع حجبت وسائل الإعلام وشبكات التليفزيون الأمريكية صور أحداث الفلوجة عن المشاهدين الأمريكيين في الوقت الذي رأى فيه العرب المشاهد كاملة حيث إن مشاهدة الأمريكيين لهذه الأحداث التي قتل فيها أمريكيون ومُثّل بجثثهم كان سيكرر تجربة انسحاب أمريكا من مقديشو في عهد الرئيس بيل كلينتون، إلا أنه برغم أن الأمريكيين لن يشاهدوا هذه الأحداث مطلقًا؛ فإنهم سيحسون في مرحلة ما بأنّ ثمن الوجود الأمريكي في العراق غالٍ جدًّا وعندها سيجبرون على إنهاء هذه المغامرة، بالطريقة التي أنهيت بها الحرب الكورية، وحرب فيتنام، والتدخّل بلبنان في الثمانينات والتدخّل في الصومال في التسعينيات.. وبالتأكيد سيحدث ذلك في الحالة العراقية أيضًا، لكن السؤال المطروح هو: متى يحدث ذلك؟.
نقطة تحول
يتوقع داير أن تصبح أحداث الفلوجة نقطة تحول لدى الرأي العام الأمريكي بشأن الحرب في العراق فمقارنة بحادثة مقديشو نجد أن هذه الحادثة جعلت الأمريكيين يحددون خطوطًا حمراء لا يتخطونها في مقديشيو في وقت كان يسيطر فيه مبدأ سياسي أمريكي يقول بأن القوات المسلحة الأمريكية لا يجب أن تخرج لمهمة خارجية يفترض أن تفقد فيها أكثر من 20 جنديا إلا إذا ارتبط الأمر بمصالح وطنية حيوية، وبرغم أن عدد الأمريكيين الذين ظهروا في شريط الفيديو وهم يسحبون في شوارع مقديشو لم يكن أكبر بكثير من عدد من حرقوا في الفلوجة إلا أن هذا العدد استثار هتاف حشود الرأي العام الأمريكي ضدّ الصومال، ولذلك فمن المتوقع أن تصبح أحداث الفلوجة نقطة تحول في مسار الأحداث.
المقاومة والحدث
ويرى داير أن التأثير الأكبر لبث فيلم مقديشو لم يأت من إذلال الأمريكيين في الحادث بقدر ما جاء من استمتاع الصوماليين بأداء ذلك، ولكن كان للأمر خلفية لم يعرفها الأمريكيون وهي أنه في نفس اليوم قتل الجنود الأمريكان ما يقرب من 1000 صومالي، ولكن المشاهدين في أمريكا رأوا جانبًا واحدًا للأمر وقرّروا بأنّه لا يجب أن تستمر القوات الأمريكية في الصومال أكثر من ذلك.
وبدون شك فإن تأثير أحداث الفلوجة وما سيتلوها من أحداث مماثلة متوقعة ستجعل المقاومة العراقية تعيد حساباتها وتضع معايير جديدة تستطيع بناءً عليها تكرار الحالة الصومالية.
أكثر من فلوجة
يقول داير أنه في الغالب لا تؤثر الإحصائيات في الناس بقدر ما تؤثر الصور التي تعني بالنسبة لهم الكثير؛ فالسيد بوش نجح في إقناع أغلبية الأمريكان بأن مغامرته في العراق تتعلق بمكافحة الإرهاب، ولهذا السبب كان الرأي العام الأمريكي صبورا جدًّا معه برغم أنه لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل كما أن المقاومة العراقية آخذه في النمو بشكل سريع، وهو الأمر الذي أدى إلى تناقص الاقتناع الشعبي الأمريكي بهذه الحرب، فمن المؤكد أن من احتشدوا حول جثث الأمريكيين المتفحمة بالفلوجة معربين عن استحسانهم ليسوا كلهم إرهابيين إلا أنهم بالفعل لا يريدون الأمريكان في بلادهم..!
وأخيرًا فالأمر أكثر تعقيدًا من الحادث الأخير، فالفلوجة تعد المعقل الأكبر للمقاومة منذ بداية الاحتلال وذلك بسبب مذبحة مبكّرة قامت بها قوات الاحتلال ضد مدنيين عراقيين كما تشترك باقي البلدات في كراهيتها للوجود الأمريكي، بسبب الاستياء من الممارسات الأمريكية في كافة أنحاء المجتمع العراقي.. وعلى ذلك سيكون هناك المزيد من نماذج أحداث الفلوجة .
المصدر: موقع الإسلام اليوم
- التصنيف: