قد تسقط المدن ولكن لا إله إلا الله لا تسقط
منذ 2004-11-23
إن رمزية سقوط المدن شديدة الوقع في النفوس بلا شك، ولقد أثبت القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر }
وفي قوله تعالى: { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً } [الأحزاب:26] ، ولكن علينا أن نحذر من طغيان هذه الرمزية على معايير الربح والخسارة وما لذلك من تأثير سلبي على فهم طبيعة المعركة ناهيك عن بث روح اليأس والقنوط في جسد الأمة،
ولهذا كان لزاماً أن نقف لنضع الأمور في نصابها، حتى نستطيع أن نوجه سيل مشاعرنا وجهةً نافعة تنأى بنا عن الشعور بالهزيمة والإحباط وتلحقنا بركب المجاهدين الشرفاء، فمن فاته مقارعة السيف وجهاد السنان فلا يفوته أجر المعية وجهاد البيان، ولئن كان إخواننا اليوم في الفلوجة يرون من الابتلاء في الله تعالى جانباً لا تراه الأمة،
فإن الأمة لترى في هؤلاء النفر جانباً من ظهور الدين لا يتسنى لغير أهل القرآن أن يروه ويفهموه فضلاً عن أن يؤمنوا به ويعتقدوه، وهو جانب لا يمكن أن يراه من قصر بصره على مشاهد تهاوي المدن وتدمير المباني وهدم المشافي وتراكم الأشلاء في الشوارع، وهو جانب لا يمكن أن يراه من يقرأ أمثال سورة البروج فلا يتجاوز به فهمه الشعور بالأسى والحزن على كتيبة الإيمان التي أحرقها أصحاب الأخدود عن بكرة أبيها،
وإنما يرى جانب ظهور الدين في مشهد تهاوي المدن اليوم من يتدبر سورة البروج فيتجاوز مشاهد الحريق والهلاك ويستشرف بروحه تتبع أرواح المؤمنين وهي تسابق في العروج إلى بارئها مهللة مسرورة بأنها سددت قسط البيعة وأوفت بعقدها مع الله عز وجل، وأي انتصار أعظم من ذلك، وأي ظهور أعز من أن تجمع لك جيوش الكفر وجحافل الطاغوت حطب الدنيا لتزج بك في أخدود الكفر فإذا بهم يفوزون منك بأشلاء متفحمة في حين تفوز أنت منهم بشهادة في سبيل الله تغدو بها في سماء الجنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما ينتظرك بعدئذٍ أعز وأكرم، وما ينتظرهم بعدئذٍ أذل وأخزى، وشتان ما بين هذا وذاك...
نحن لا نقول هذا الكلام تعزية لهزيمة أو خسارة جولة، كما لا نقوله تقاعساً عن تدارك قصورنا ولزوم تهيئة العدد والعدة، وإنما نقوله إنصافاً لأولئك النفر الذي لم يقعدهم ما أقعدنا ولم يخذلهم عن الجهاد ما خذلنا ولم يلتفتوا لعدم كفاءة الأسباب كما التفتنا، نقوله لأن جبين الأمة اليوم يتباهى بأولئك النفر الذي رفض أن يندرج مع قطعان الخراف ورفض أن ينسلك مع أتباع إبليس، ونقوله لأن أولئك النفر هم اليوم نبض هذه الأمة الذي يصدع في أرجاء الكون مزمجراً: إن هذه الأمة لم تمت، ولن تموت لأنها أمة لا إله إلا الله،
ولئن احتاج عباد الصليب حشد عشرين ألف من أعتى جنودهم لاقتحام مدينة فارغة، فكم سيحتاجون من أسباب الباطل وجنود العهر واللواط كي يقفوا في وجه هذه الأمة إذا ما قرر النائم منها أن يستيقظ والغافل منها أن ينتبه؟
نعم لقد انحاز المجاهدون في الأمس القريب من غروزني آخذين برخصة الله : { إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئةٍ } [الأنفال:16] ، وربما قال البعض آنذاك : سقطت غروزني، ولقد انحاز المجاهدون في الأمس أيضاً من قندهار آخذين بنفس الرخصة، ولربما قال البعض أيضاً:
سقطت قندهار، وها هم اليوم يناورون في الفلوجة، يكرون ويفرون، وقد يتحيزون إلى فئة بحسب طبيعة المعركة، ولربما يردد البعض مرة أخرى : سقطت الفلوجة، ولكن الساقط في حقيقة الأمر هم هؤلاء القائلون الذين لا همَّ إلا التخذيل والتثبيط والذين لا بصيرة لهم أعمق من رؤية مدن تجتاح ومنازل تتهاوى وجثث تتناثر،
أما نحن فنشهد على أولئك النفر والله حسيبهم أنهم ما سقطوا، وكيف يسقط من حمل لا إله إلا الله في صدره فهي معه أينما حل وأينما نزل؛ إن أكرمه الله بنصر فهو يحمل لا إله إلا الله، وإن اتخذه الله تعالى شهيداً فهو يشهد على أعظم حقيقة في الكون حقيقة لا إله إلا الله، وقد قال الله تعالى ومن أصدق من الله قيلاً: { وكلمة الله هي العليا } [التوبة:40] ، وهل يسقط من كان وعاءً للكلمة العليا؟ هيهات هيهات...
فيا كتيبة الإيمان في كل مكان، إن دموعنا لا تنهمر اليوم على سقوط مدينة وإن كنا نتألم لمصابكم، وقلوبنا لا تتفطر على تهاوي المنازل وإن كانت أكبادنا تتفطر لابتلائكم، وإنما تنهمر دموعنا وتقشعر قلوبنا من روعة ما تسطرونه اليوم بدمائكم،
نتوق لأن نكون معكم نمسح عن جبين شيخ، ونلثم يدي أم ، ونحضن الطفل واليتيم، نكبر معكم على المنابر ونودع معكم عرسان الشهادة، ولئن كان عذرنا في عدم ذلك بيننا وبين الله تعالى، فعسى أن يكون عزاؤن وعزاؤكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فقال: « إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر » (صحيح البخاري).
نعم، قد تسقط الفلوجة، ولكنها إن سقطت فكسقوط غروزني وقندهار، سقوط أبنية واقتحام عُزَّل ليس إلا، أما السقوط الحقيقي فلكلمة الكفر تحت أقدام التوحيد، ولعباد الصليب وفئران التلمود تحت وطأة جحافل التوحيد، تلك الكلمة التي لما رآها إبليس في أرض المعركة ولى مدبراً وكان حاله: { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب } [التوبة:48] ، ولئن كنتم في شدة المعركة وتحت قصف المدافع وأزيز الطائرات وتراءت لكم نافذة فرج أو تغشاكم من الله تعالى النعاس أمنة،
فاعلموا أنه ربما تكون من وراء تلك الفرجة دعوة أخ لكم في الله أو قسمٌ لأشعث أغبر من هذه الأمة قد أبره الله، أو تائبٍ مقلعٍ عن ذنبه قد فرج الله عن هذه الأمة بتوبته، أو عالمٍ صدع بكلمة الحق ولم يخش في الله لومة لائم ينتصر بها لكم على فئران النفاق المتناثرين في أروقة الجهل والفوضى، فإذا علمتم ذلك، فاعلموا أن لا إله إلا الله هي الحقيقة التي تجمع شتات الموحدين في هذا الكون، واعلموا أنكم لستم وحدكم في خندق العقيدة، بل إن كل مؤمن صادق على وجه الكون يقف معكم ويدعو لكم ويستشرف لمعيتكم، فاثبتوا أخوة الإيمان فإن الله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: صيد الفوائد
- التصنيف: