السيناريو المرسوم لاختطاف مصر

منذ 2012-04-15

لا يمكننا الجزم به بطبيعة الحال، لكنني أتوقع في ضوء المعطيات الآنية وواقع ما نحياه ما يدور في أذهان المخططين الاستراتيجيين الرسميين لمستقبل هذه البلاد، وهو أن يزداد الانفلات الأمني الممنهج، لا سيما في أطراف مصر..


لا يمكننا الجزم به بطبيعة الحال، لكنني أتوقع في ضوء المعطيات الآنية وواقع ما نحياه ما يدور في أذهان المخططين الاستراتيجيين الرسميين لمستقبل هذه البلاد، وهو أن يزداد الانفلات الأمني الممنهج، لا سيما في أطراف مصر، حيث الحدود شبه مفتوحة، والبدو يتحركون في "مناطق تقسيم مصر" تحديداً، بالترافق مع مجموعة من الأزمات الطاحنة التي تمس المواطن، والتي بدأت منذ فترة وستتواصل إلى الانتخابات، مع تعدد حوادث السرقات والاختطاف وغيرها، وحدوث بعض أعمال العنف مع الاقتراب من أيام التصويت لا سيما العنف الذي يأخذ طابعاً سياسياً، بالتزامن مع استمرار الحملة الرسمية الحكومية الإعلامية لدعم عمر سليمان، ومزيد من بث استطلاعات الرأي الملعوبة والمغلوطة، ظناً أن ذلك سيغير كثيراً من المزاج الشعبي، ثم عند تلمس المؤشرات الحقيقية سيتضح أن مصر مقبلة على إعادة بين مرشحين "إسلاميين"؛ فيتم اللجوء إلى إجراء تزوير للانتخابات بشكل ضيق للقفز بمرشح بعينه إلى الإعادة كثاني مرشح من حيث عدد الأصوات، ثم البدء في الإيحاء بأن كل القوى التي تفتت أصواتها في المرحلة الأولى من الانتخابات ربما ستجد فيه بغيتها، وتتم عملية التزوير الثانية التي تدفع به إلى سدة الحكم.. (وهذا السيناريو مبني على أساس، مرتكن إلى وقائع معاصرة وتاريخية تدركها معظم القوى السياسية وهي أن كل الوسائل الدعائية المضادة لـ "الإسلاميين" تخفق دوماً في كسر شعبيتهم، ولا يبقى متاحاً إلا التزوير بشقيه الفج، والمحدود).

سيبدأ بعدها "الرئيس" في محاولة احتواء الغضب، والاجتماع مع كافة القوى السياسية، ومنحها تالياً بعض الامتيازات كالمشاركة الفاعلة في الحكومة وبعض المناصب لامتصاص ثورة الثائرين ضده، (بحيث يتم لملمة ذلك مع إخماد الغضب ضده خلال عام أو اثنين، وإعادة انتاج النظام ثانية ليس بشكله السابق وإنما بتراجع حظوظ كل القوى السياسية الفاعلة في التأثير على السياسة العامة للدولة)، وفي هذه الأثناء سيختفي الانفلات الأمني فجأة، وسيعاين الشعب حزماً واضحاً للرئيس إزاء كل مظاهر الاضطراب بالقرب من حدود مصر الشرقية والغربية، وتراجع ملحوظ في تهريب السلاح والمخدرات، وستتدفق أموال المساعدات من بعض الدول الخليجية، والقروض من الدول الأوروبية، وربما الولايات المتحدة، وستحدث انتعاشة مؤقتة في الاقتصاد المصري على مدى عامين، وستتم محاربة الفساد بشكل انتقائي، لكنه فاعل، وسيستمر إطلاق الحريات العامة، وربما تتراجع بعض الحملات الإعلامية على القوى الرئيسية بعد أن يبرم تفاهم ما، أو ترتفع حدة الصراع مع فرض أحكام عرفية وتشديد القبضة الأمنية..


هذا ما أتوقع أنه يدور في ذهن المخططين، وفقاً للتجارب السابقة في مصر، وحول العالم، غير أن ما يعتمل في هذه العقول ليس بالضرورة هو ما سيحصل، وقد لا يكون هو القدر المنتظر، حيث يبقى التقدير الإلهي مهيمناً على كل ما يجري؛ وإذا ما دققنا قليلاً في هذا السيناريو لوجدناه ليس أكثر من طموح ورغبة طرف يقدر أن حجم مقاومة الأطراف الأخرى سيكون في حيز المقبول، ولن يجاوز قنطرة الرفض السياسي المحدود إلى الغضب الشعبي الجماهيري العارم.


وهو لا شك يؤسس تقديره للموقف على الحالة التي استطاع المتنفذون أن يوجدوها في بر مصر كلها، من تململ من غياب الأمن و"الاستقرار"، والتراجع الاقتصادي المريع، والأزمات الطاحنة المتوالية، كما يطمئن كثيراً إلى "الانسحاب المدروس لبعض شباب الثورة"، وإلى الجفوة الكبيرة الحاصلة بين القوى "الإسلامية" من جهة، والقوى الليبرالية واليسارية من جهة أخرى، ومساهمة بعض رموز الأخيرة في الحملة الإعلامية ضد الأولى، ورغبتها في كسر "احتكارها" للسلطة المفترضة، وهذا الاطمئنان إلى حالة الانقسام بين جميع القوى "الثورية" أو لنقل للدقة، أنها القوى التي يمكنها أن تفعل "الثورة" مرة أخرى، وإلى قلة حماسة الجماهير لمساندة "ثورة جديدة"، يشجعان المتنفذين في البلاد على المضي قدماً في سبيل تحقيق هذا السيناريو.


غير أن ذلك التخطيط يأخذ في اعتباره بقاء الحال على ما هو عليه، ويفترض مثلاً ألا يحدث تقارب بين القوى "الإسلامية" وغيرها في هذه الفترة، ولا يتوقع أن تسفر جهود الوسطاء عن تحقيق توحيد المرشحين "الإسلاميين" أو قسم منهم مع المرشحين "الثوريين"، ولا يتكهن بانفلات الوضع من تحت سيطرته مع زيادة وتيرة التراجع الأمني الآخذ من هيبة المسيطرين على مقاليد البلاد ذاتها، والذي يظهرها عاجزة بالفعل عن التصرف، ويحفز قطاعات على رفض استمرارها بشكل أو بآخر، كما أنه لا يقدر حجم الوعي الذي نما في عقول طائفة كبيرة من الشباب المصري، لا سيما "الإسلاميين" منها، والتي أخرجت بعضهم عن نفوذ القوى التقليدية المحافظة في التيار "الإسلامي"، ولا ينظر إلى التغييرات الهائلة التي جدت على الثقافة السياسية الجماهيرية، وبالجملة لا يقرأ المستقبل إلا بأدوات الماضي، ظاناً بأنه يمكنه أن يعالج لحظة جديدة بأسلوب تقليدي، وهو تحدٍ لا شك كبير لكل الأطراف، في تنفيذ مثل هذا السيناريو البغيض، وفي مقاومته من جانب الآخرين..


22/5/1433 هـ