غربة الدين

منذ 2012-04-16



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

غربة الدين.. وما أدراك ما غربة الدين..

إنه إحساس ٌ بالوحشة لقلة السالكين، إحساسٌ بالوحدة لقلة المطبقين لتعاليم هذا الدين من أوامر ونواهي، من سنن ومكروهات..

إنه الدين أغلى ما يملك الإنسان في كل زمانٍ ومكان، إنه الروح للجسد والغذاء للروح.

وقد قال الذي لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام ُغريبا ً ثم يعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يُصلِحون إذا فسد الناس» [رواه أحمد وصححه الألباني].

وفي رواية لابن وهب قال عليه الصلاة والسلام: «طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين يُنكرَ ويعملون بالسنة حين تُطفى».

فقد رغب رسول الله في أجر الغريب في زمانه وجعله كالقابض على الجمر في قوله عليه الصلاة والسلام: «إن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم» [صححه الألباني].

فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسي كثيرا ً بما يناله من الشدة والمشقة مثل ما يقاسيه من يأخذ بيده النار، فالمؤمن باتَ يشعر بحر الجمر في قلبه فضلاً عن يده.

فإظهار شعائر الإسلام شاقٌ في زماننا لغربة الإسلام، ولعدم المعين على ذلك، ولكثرة أهل البدع والضلال.

* ولكن إياك أن تستوحش من الحق لقلة السالكين، أو تغتر بالباطل لكثرة الهالكين فتسلك معهم، قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ‌ مَن فِي الْأَرْ‌ضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ} [الأنعام: 116].

فمن كان معه الله وسنة رسوله لا يستوحش ولا يغتر بأحد؛ لثقته بربه أنه على الحق وسوف يرى نتيجة ذلك عند ربه عز وجل.

* وهذا كلام ٌ نفيس لابن القيم رحمه الله حول غربة الدين يصف بها حال الغريب كلٌ بحسب معاناته فيقول رحمه الله: "هو غريبٌ في دينه لفساد أديانهم، وغريبٌ في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريبٌ في اعتقاده لسوء عقائدهم، غريبٌ في صلاته لسوء صلاتهم، غريبٌ في طريقه لضلال وفساد طرقهم، وبالجملة فهو غريبٌ في أمور دنياه وآخرته.. لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً فهو عالمٌ بين جُهال، وصاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى رسوله بين دعاةٍ إلى الأهواء والبدع، آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكر والمنكر معروف" [مدارج السالكين].

وهناك كثير من الأمثلة على غربة الدين في زماننا هذا ومنها:
1- إلقاء السلام: سلام المسلم على أخيه المسلم سنة ورده واجب:
قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُ‌دُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: ٨٦].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيئٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم].

ولكن تجد كثيراً من المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله يسمع السلام من أخيه ولا يرد السلام، إما جهلاً منه بالحكم وإما إعراضاً ونفوراً منه أنه لا يعرفه، وهذا من غربة الدين.

2- عدم إعفاء اللحية للرجال: كثيرا ً من الرجال لا يعفون لحاهم إما جهلاً منهم في الحكم وإما استنكاراً للحية في زمن الغربة وقد تعودت أعينهم على حلق اللحى والله المستعان.

3- غربة تطبيق الحجاب الساتر: تمشي مَن حجابها ساتر كما أمر ربنا وبين رسولنا الكريم وكأنها غريبة، أما التبرج وزركشة الحجاب والعباءة فقد بات مألوفاً لغربة هذا الدين وكأن المطبقة لحجابها التطبيق الكامل في غربة.

4- المشاركة في أعياد الكفار والنصارى: فقد بات أمراً طبيعياً عند كثير من المسلمين، وإذا أنكرت كنت أنت الغريب والله المستعان.

5- وكثير من السنن اندثرت وهُجرت بسبب غربة الدين إلا من رحم الله.

لذلك لا بد من التنويه على أمر في غاية الخطورة وهو: عدم تقليد كل ناعق أو كل من أتى لنا بموضة جديدة أو بحجاب جديد أو قصة جديدة أو أزياء جديدة إذا خالفت ديننا، فللدين قواعد وأصول وضوابط لا بد من الانضباط بها بدون الاغترار بالأهواء والشهوات وبدون الانسياق والتأثر بكل من يهمس في أذنك بأنك غير متحضر أو غير مواكب للعصر والموضة..

ولكن فلنصبرعلى غربة الدين..

ونؤدي حقوق الله.. ونلتزم بسنة نبيه نسعد في الدارين الدنيا والآخرة.

وقبل كل ذلك نلزم دعاء الله عز وجل أن يثبت قلوبنا على دينه كما كان يردد رسولنا الكريم: «يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك».

ولا نفترعن الإستعانة بالله في جميع أمورنا ولا نغتر بالفتن التي حولنا.

فالمؤمن كيس فطن: يعض على دينه بشدة ويطبق شريعة ربه عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكل ولا يمل من نصح غيره، من أسرته ومجتمعه، وذلك مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن يُصِلح المؤمن إذا فسد الناس».

وليكن حلم كل مسلم دائماً نصب عينيه، الجنة كي يشحن طاقته وعزيمته الدينية ماض سائر إلى الله مستعين به، متوكلٌ عليه، راجٍ منه الأجر وحده.

وفقني الله وإياكم لكل خير وثبتني وإياكم على الحق وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ونفع بها.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

صفاء بنت محمد الخالدي

- درست على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( من خلال الأشرطة والكتب ) - حصلت على خمس شهادات في العقيدة والفقه من معهد منارة العلوم الشرعية للدراسة عن بعد - تلقي العديد من المحاضرات والدورس الشرعية في المساجد والدور النسائية