أسلحة الدمار الشامل السورية لا تستحق التفتيش!

منذ 2012-07-25

لم ير أحد في وجود أسلحة دمار شامل مع العلويين على بعد أمتار من حدود "إسرائيل" المفترضة على مدى السنين الماضية، تهديداً لأمن الأخيرة، ولا ما يستحق التفتيش عنها.. ولا في جرائمهم ما يستحق المحاسبة.. لكن إن وقعت تلك الأسلحة في أيدٍ غير"أمينة" فتلك الطامة الكبرى!



لا، لست هنا أعني آلة القتل الرعيبة، ومسالخ الطائفيين الدمويين بقيادة السفاح بشار الأسد؛ فكل ما هو تقليدي من أسلحة القتل والإرهاب في سوريا يسعد تل أبيب ولا يزعجها، ويبهج واشنطن ولا يفزعها، ويطرب بروكسل ولا يغضبها.

إنما أتحدث هنا عن هذا السلاح الذي ظهر في الإعلام فجأة، طاغياً على كل الجرائم والانتهاكات اللامحدودة في بلاد تشارك الأوروبيين شطآنهم ولا تبعد كثيراً عن موانئهم وتشاطرهم أحلام "المتوسطية"، حتى إن أوباما لم ير في كل جرائم ما يدعو لمحاكمة بشار ومحاسبته؛ فقال بكل تحدٍ!: "لو استخدم بشار السلاح الكيماوي ستتم محاسبته"، وهو بهذا التصريح لا يبعد كثيراً عن طموحات "الأشاوس العرب" الذين قالوا في اجتماع وزراء الخارجية العرب إنهم ينصحون بشار بالتنحي في مقابل توفير "خروج آمن" لأكبر مجرم دولي يستحق محكمة لاهاي.


هؤلاء الأشاوس ومعهم الأمريكيون والأوربيون لا يعتبرون أن بشار ارتكب أي جريمة لا ضد الإنسانية ولا جريمة حرب حتى هذه اللحظة، بخلاف معمر القذافي الذي صدرت ضده وأولاده ومعاونيه في بدايات الثورة الليبية مذكرات توقيفية، وظهر أوكامبو مزمجراً على نحو مشابه لما بدا به أثناء الضغط على البشير من أجل فصل الجنوب وإلا جلب إلى "العدالة الدولية"! إنما الجريمة الخطيرة فقط في حال استخدم بشار السلاح الكيماوي الذي يمتلكه، والذي اعترف بوجوده المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية السورية جهاد المقدسي مؤخراً، مهدداً بأنه لن يستخدم، هو والجرثومي، إلا في حال تعرضت سوريا لـ"عدوان خارجي"! وبالطبع؛ فإن هذا العدوان لا يخص الأمريكيين ولا الأوروبيين ولا الصهاينة؛ فالإعلام السوري لا يوفر جهداً في تفسير كنه هذا العدوان، إذ ما يقوم به الأحرار من الدفاع عن أعراضهم وأرواحهم وأموالهم في سوريا هو ذاك العدوان الخارجي الذي يعنيه الرئيس بشار وغيره حين يكررون مراراً أن "سوريا تتعرض لعدوان خارجي"!

"إسرائيل" هي الأخرى تهدد بأنها قد تتدخل في سوريا إن وقعت أسلحة الدمار الشامل في أيدي "الإرهابيين" أو عبرت الحدود لتصبح في حوزة "حزب الله"..


ما محصلة كل هذا؟

إنه الاعتراف صراحة بأن أسلحة الدمار الشامل السورية تختلف جذرياً عن نظيرتها العراقية، وأنها برغم قربها الشديد من حدود ما يُسمى بإسرائيل إلا أنها أبداً لم تكن أبداً تمثل أي تهديد لتل أبيب، وأن عاصمة الكيان الصهيوني لم تجد نفسها في أي وقت مدعوة إلى تحريك بيادقها في مجلس الأمن لخنق نظام بشار وإذلاله باسم أسلحة الدمار الشامل مثلما فعلت فيما يخص نظام صدام حسين..


هذا يعني أن لا أمريكا ولا أوروبا كلها وجدت في تلك الأسلحة المدمرة تهديداً حقيقياً يهدد مصالحها، برغم أن نصب منصات صواريخ على سواحل سوريا في محافظة اللاذقية يجعلها على مرمى حجر من شطآن أوروبا، ومع ذلك؛ فإن أحداً لم يقلقه امتلاك دولة تحتضن "حزب الله" وتزوده بالأسلحة عبر الحدود بلا حساب طوال عقدين تقريبا من الزمن، لأسلحة الدمار الشامل، وتنظم معه خطوات التصعيد المنضبطة والتهدئة السائدة..


الخلاصة أننا نرى أمامنا دولة لا تمثل أي تهديد لأمن الكيان الصهيوني إلا في حال انفراط عقد نظامها، تماماً مثلما هو الحال مع نظام مبارك، لا، بل أشد من ذلك؛ إذ لم يكن لمبارك أن يجرؤ هكذا على البوح والتحدي علانية بأنه يمتلك أسلحة دمار شامل على حدود "إسرائيل" ويكتفي العالم من بعد بتهديده بأنه في حال استخدامه فقط، لا حال امتلاكه أصلاً سيلقى محاسبة رادعة..

بيد أن هذه الخلاصة قد لا تعنينا كثيراً؛ فالنظام السوري قد انكشفت عمالته لكل قاصٍ ودانٍ، ولا حاجة لمزيد من الاسترسال في هذا، إلا للتوكيد على أن بقاء هذا النظام أو إعادة إنتاجه هي مسألة حياة أو موت للقوى العظمى.


الأهم في نظري، أن نستخلص أن مسألة وقوع أسلحة الدمار الشامل في أيدي "حزب الله" لا يعد تغييراً كبيراً في موازين القوى؛ فلقد كان بإمكان السوريين تزويد الحزب في أي لحظة بهذا السلاح، ثم ما كان للحزب أن يستخدمه مثلما التزمت بذلك دمشق، ووصول السلاح الكيماوي في أيدي "إرهابيين"، هو افتراض تخيلي لا يمت للعسكرية بشيء، كون تلك الأسلحة لا يمكن بسهولة وقوعها في أيدي مقاتلين تحرريين كمناضلي الجيش الحر، ولا المجموعات الصغيرة الموازية له، وسيمكن بسهولة تأمينها إذا سقط نظام بشار كأي نظام آخر لم يجد الغرب صعوبة في لملمة ملفاته المبعثرة بعد زواله، كنظام صدام والقذافي وغيرهما، وإنما تبقى مسألة إحياء تلك القضية بهذا الشكل توطئة لتطورات لا تتعلق بمصير الأسلحة غير التقليدية، وإنما تخص هاتين الفرضيتين:

1 ـ أن تكون فقاعة الأسلحة الكيماوية إنما يراد بها التمهيد لتدخل غربي في نهاية الصراع في حال ما إذا بدأ الجيش الحر يحقق نجاحات حاسمة مستقبلاً، تحت ذريعة تأمين تلك الأسلحة الخطيرة (على الكيان الصهيوني قطعاً). وهذا التدخل يهدف إلى تغيير الخارطة العسكرية والسياسية السورية للمعارضة السورية المسلحة والسياسية.

2 ـ أن تكون إثارة القضية بهدف الضغط على الجيش السوري الحر ذاته، بعدما تواطأت السلطات السورية مع وكالة الصحافة الفرنسية في بث خبر مزعوم عن أن 150 مقاتلاً عربياً غير سوري هم من أحكموا سيطرتهم على معبر تل الهوى الحدودي مع تركيا، غير بعيد من مدينة حلب الاستراتيجية التي يعزز قربها من حدود تركيا شبه المفتوحة احتمالاً بأنه قد تشهد بالفعل معركة تحرير حقيقية وناجحة.


فإثارة ثنائية الكيماوي/القاعدة يمثل عنصر ضغط على المقاتلين الأحرار بغية الوصول إلى حل "توافقي" لا يلغي الهيمنة الطائفية التي تعتبرها عواصم كثيرة في الغرب و"إسرائيل" ضمانة لأمن الأخيرة، ويهدف إلى إشراك العلويين بقوة، والمتغربين في نظام ما بعد الأسد، والذي يبدو أنه لا يلقى حماسة من كثير من المجموعات المقاتلة.


أعود للتذكير مجدداً، لم ير أحد في وجود أسلحة دمار شامل مع العلويين على بعد أمتار من حدود "إسرائيل" المفترضة على مدى السنين الماضية، تهديداً لأمن الأخيرة، ولا ما يستحق التفتيش عنها.. ولا في جرائمهم ما يستحق المحاسبة.. لكن إن وقعت تلك الأسلحة في أيدٍ غير"أمينة" فتلك الطامة الكبرى!


5/9/1433 هـ