صُور من ثورة الشام (5) البطل الذي نَعَى نفسه!
..بعدها استطاع الجيش السوري دخول الرستن، وما إن تمَّ الاختراق حتى تذكَّر الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد كتائب الجيش الحر في الرستن ما قاله أحمد عندما كلفه بالمهمة: إذا رأيتم الجيش الأسدي يدخل المدينة من جهة الشرق فاعلموا أنني قد استشهدت .
وُلدَ لأبوين كريمين، والدُه كان فلاَّحاً بسيطاً، أمّا والدَته فكانت ربّة منزل، تقوم على تربية أولادها، وتُعين زوجها في أعماله الزراعية، أما مسقطُ رأسه فكان مدينة الرّستن الواقعة وسط الطريق بين حمص وحماة، ذلك هو الملازم أوَّل أحمد الخلف.
نشأ أحمد في مدينته الوادعة (الرستن)، تلكَ المدينة التي يخترقُها نهر العاصي الذي يُضفي إلى جمالها جمالاً قلَّ نظيره، ويزيدُها جمالاً أيضاً تلك البحيرة الزَّرقاء التي تطل على الرائي من وراء السد البازلتي الأسود، إضافة الى تلك السهول الخصبة الممتدة على ضفتي النهر والملونة باللون الأخضر، والتي تجعل أسراب الطيور عندما تمر بها تتوقف عن الهجرة إلى غيرها من المناطق، و مما يجعل اللوحة تكتمل وتتسق تلك الزهور المبثوثة هنا وهناك من شقائق النعمان وأخرى من القرنفل والجوري والنسرين.
هذه الطبيعة الساحرة جعلت في قلبه حباً كبيراً لمدينته، وكثيراً ما كان يخاف عليها من المحتلّ الصهيوني الذي احتلَّ الجولان كما قال لهم مُعلّم التاريخ ذات يوم، وهذا ما جَعلَهُ يُضمر في نفسه شيئاً، وما إن أنهى دراسته الثانوية حتى انتسب إلى الكليَّة الحربية ليكون ممَّن يذودُون عن حياض الوطن، وبعد ثلاث سنوات يتخرَّج أحمد ليزدان كتفاه بنجمتين طالما حلُم بهما عندما كان صغيراً، بعدها حصل على إجازة استطاع من خلالها أن يتزوَّج أحمد من إحدى فتيات القرية، ثم التحق بمكان عمله الجديد في إحدى قرى مدينة درعا القريبة من مرتفعات الجولان، وهناك أخذ يعدّ العدة مع رفاقه لاستعادة تلك الأرض الحبيبة، ولكنه فوجئ ذات يوم بقائد فرقته يطالبه ورفاقه بالتوجه إلى مدينة درعا لضرب عصابات مسلحة هناك...
في درعا لم يجدوا مسلحاً واحداً، ولكن وجدوا الكثير من الشباب يتظاهرون ضدّ تصرفَّات نظام الأسد القمعي...
قال أحدهم للقائد: أين العصابات المسلحة؟! لا نرى إلا أُناساً مُسالمين يهتفون بأصواتهم للحرية، ردَّ عليه: هؤلاء سيشكّلون خطراً على الحزب والثورة، هؤلاء عملاء لإسرائيل، لا مناص من القضاء عليهم، ثم ما لبث أن أعطى أوامره بإطلاق النار...
أخذ أحمد يُحدّث نفسه عندما انتسب إلى هذا الجيش، كان الهدف تحرير الجولان واستعادة فلسطين، ولم يكن قتل الأبرياء !!
نظر أحمد إلى المتظاهرين فوجد بينهم الصغار والنساء، فقال في نفسه: هؤلاء ما ذنبهم؟ إن كان كلام القائد صحيحاً، نظرَ نظرة أخرى فرأى بينهم من ترتدي لباساً يُشبه لباس أمه وأخته، ورجالاً يَضعُون على رؤوسهم الكوفية والعقال، وأطفالاً في عُمر الزهور، فتذكَّر والدَه ووالدته وإخوته وأقاربه وجيرانه، فقال: والله لا أفعلها! أيَقتل الانسان أهله؟! وسُرعان ما قام بحركة كر وفر، اختفى بعدها.
انتهت المعركة بين الجيش الأسدي والمواطنين العزَّل بعشرات القتلى وعدد كبير من الجرحى من المواطنين السوريين .
رجعَ أحمد إلى بلدته الرستن، فالتقى بوالده ووالدته وإخوته وزوجته وأولاده الثلاثة وأعلمهم بما جرى، ثم ودَّعهم لينضم إلى كتائب الجيش السوري الحر في مدينته.
أَوْكل إليه الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد الكتيبة مهمة حماية المَدخل الشرقي للمدينة فكان ومن معه خير من يقوم بهذا العمل، فقد استطاعوا صدَّ هجوم بري بالدبابات والأسلحة الثقيلة وكبَّدوا الجيش الأسدي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، وفي يوم الأربعاء 28/ 9/ 2011 قام جيش الطاغية بهجوم ثان، وصمد الملازم أول أحمد الخلف ومن معه، وبقي الصمود لمدة أسبوع الى أن كان الأربعاء الثاني حيث أصيب الملازم أحمد برصاصة غادرة لم يزل ينزف إثرها حتى مات.
بعدها استطاع الجيش السوري دخول الرستن، وما إن تمَّ الاختراق حتى تذكَّر الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد كتائب الجيش الحر في الرستن ما قاله أحمد عندما كلفه بالمهمة: إذا رأيتم الجيش الأسدي يدخل المدينة من جهة الشرق فاعلموا أنني قد استشهدت .
رحمك الله يا أحمد، وجعلَ روحك في أعلى عليين، وزوجك من الحور العين.
عبد الرحمن الشامي - 21/9/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: