طلقتك ثلاثا !!!
منذ 2005-04-20
"يا دنيا غرّي غيري قد طلقتك ثلاثا".. هكذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الدنيا الفانية..
"يا دنيا غرّي غيري قد طلقتك ثلاثا".. هكذا قال أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب رضي الله عنه عن الدنيا الفانية..
يابن آدم.. كن في الدنيا غريب أو كعابر سبيل، ولاتكترث بما فيها من زينة فانية..
فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: « يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وصف أمير المؤمنين الدنيا بأبيات لا يسع المجال إلا لذكر بعضها، كما قال:
« من أصبح منكم معافا في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ».
وإليك القصة:
أصبحت وأنا أشعر بالكآبة، وسمة الحزن ترتسم على محياي.. لا أعرف سبباً مباشراً لذلك..
ولكن، لعله بعد حديث المساء..
فقد اجتمعا زملاء الدراسة وأصدقاء الطفولة.. تحدثنا عن حياتنا.. عن أعمالنا..
خرجت بانطباع عام..الغالبية لديهم المال.. ينفقون كما يحلو لهم.. كما يشاءون.
فلان له كذا وكذا من العقار.. وفلان مثله أو يزيد..
وأنا أقلّ الجميع!
لعلي شعرت بالحزن.. وأصبحت الكآبة رفيقتي..
موعدي بعد صلاة العصر مع عبدالرحمن
شاب بمقتبل العمر، دمث الأخلاق، حلو المعشر، حاضر النكتة، من خيرة الشباب..
لعل في زيارته تخفيفاً لما أشعر به.. وكما توقعت.. ما إن أحس أن هناك شيئاص في داخلي.. حتى تلاحقت أسئلته..
مابك..؟ وهل هناك ما يكدر صفو أيامك..؟
احمد الله على ما أنت فيه من نعمة.. ثم أضاف بنبرة فيها عتاب "والله إنك في نعم لاتحصى ولاتعد، وأولها نعمة الإسلام"..
تمهل في الحديث.. وأكمل "أنت حالك كحال رجل جاء إلى أحد الصالحين، فشكا إليه ضيقاً في حاله ومعاشه، واغتماماً بذلك.
فقال: أيسرّك ببصرك مائة ألف؟ قال: لا.. قال: فبسمعك..؟ قال : لا..
قال له: أرى لك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة..!"
سكت برهة.. ثم أجبته بصوت ضعيف "الحمد لله.."
جاءت كلماته الصادقة.. وهو نعم الصديق..
"هل بقي شي من الكدر وضيق الصدر..؟ تذكر أمراً.." عندما رفع صوته وسألني بحدة..
"كيف جعلت للضيق في صدرك مكاناً..؟ يوم كامل يصول ويجول الكدر والهم في قلبك..؟ أين أنت عن الصلاة وقراءة القرآن؟؟
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.. كل يوم لا تفوتك فيه قراءة الصحف والمجلات.. أين قراءة صحف ربك..؟ أين أنت من القرآن..؟ على أي حال تريد أن تزيل كل شي في خاطرك، وتستعيد صفاءك..؟"
رفعت رأسي.. وأجبت "نعم"..
قال: "هيا.."
-"إلى أين؟!!"
-"لاتسأل أين.. بعد أن أغلقت باب السيارة.. من النعم وسائل النقل المريحة،
تذهب متى تشاء براحة وطمأنينة.. هل حمدت الله أنك تعيش في دار الإسلام وبين المسلمين؟ تسمع النداء كل يوم خمس مرات، تربّي أبناءك على التوحيد الخالص.."
في الشارع العام..هدّأَ من سرعة السيارة، ثم سار بتجاه اليمين،
-"إلى أين يا عبدالرحمن..؟ هذه المقبرة ..!!!"
-"أعرف أن هذا طريق المقبرة.. وأن هذه التي أمامنا المقبرة.. تمهل ولا تستعجل الأمور
لماذا تخاف..؟ دعنا ندخلها بأقدامنا قبل أن يدخل بنا محمولين..
هذه دارنا الثانية.. دعنا نزرها..
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية..اللهم لاتحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم..واغفر لنا ولهم..".
بعد السلام على أهل القبور، تركت عيني تتجول في مساحة المقبرة.. أرض جرداء.. سكون خافت.. صمت متواصل.. لاتسمع حديثاً رغم كثرة الساكنين..
قبور متراصّة.. وجيرة متباعدون.. لايعرف بعضهم بعضاً.. تضم الطفل الرضيع
والأمير الوضيع.. الشيخ الكبير هنا قبره.. والعروس التي وسّدت الثرى ليلة زفافها هنا مرقدها..
هنا من كان منعّماً في الدور والقصور..
أما هناك..
قبر الشاب المكتمل الصحة والقوة..
من سقط فجأة.. ودفن فجأة..
وهذه القبور المحفورة تنتظر الساكن الجديد..
تنتظر الجنازة القادمة..
ربما أنا..؟!
وربما أنت.. ؟!
قطع تفكيري..
مارأيك في هذا القبر.. وهذا اللحد..
ماذا تقول فيه..؟ هذا صندوق العمل، هذه دارك الثانية..
-"ياعبدالله..
انزل في هذا القبر.."
أجبته بسرعة، وبصدق.. "لا أستطيع"..
ومع إجابتي تراجعت قليلاً وابتعدت عن حافة القبر.. خوف أن أسقط..
أما عبدالرحمن فقد تقدّم، ونزل في القبر..
"باسم الله".. ووضع جنبه في اللحد..
"ما أحقر الدنيا.. هذه داري بعد الموت.. اللهم اجعل قبري روضة من رياض الجنة"
بعد برهة، قفز من القبر.. أسمعني صوته..
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }
"بلى سنُرجَع.. بلى سنُرجَع.."
التفت إليّ وهو يزيل التراب..
-"انزل عبدالله لتزول همومك"..
أصابتي قشعريرة.. تمالكتُ نفسي.. ولمّا رأيت إصراره، نزلت..
ما أضيق القبر ولحده.. موحش ومظلم.. حتى الحركة، لاتستطيع أن تتحرك
"ياعبدالله.." صوت من أعلى يناديني..
قدّر لنفسك أنك مت.. ودفنت، ما العمل الصالح الذي قدمت..؟
أجلت طرفي يمنة ويسرة داخل القبر.. تفكرت في أمرين..
هوان الدنيا.. وطول الأمل..
سنرحل جميعاً ونترك كل شيء..
إلا العمل الصالح..
يابن آدم.. كن في الدنيا غريب أو كعابر سبيل، ولاتكترث بما فيها من زينة فانية..
فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: « يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله ». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد وصف أمير المؤمنين الدنيا بأبيات لا يسع المجال إلا لذكر بعضها، كما قال:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت |
أن السلامة فيها ترك ما فيها |
|
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها |
إلا التي كان قبل الموت يبنيها |
|
فإن بناها بخير طاب مسكنها |
وإن بناها بشر خاب بانيها |
|
لاتركنن إلى الدنيا ومافيها |
فالموت لاشك يفنينا ويفنيها |
|
واعمل لدار غد رضوان خازنها |
والجار أحمد والرحمن ناشيها |
|
رياحها طيب والمسك طينتها |
والزعفران حشيش نابت فيها |
« من أصبح منكم معافا في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ».
وإليك القصة:
أصبحت وأنا أشعر بالكآبة، وسمة الحزن ترتسم على محياي.. لا أعرف سبباً مباشراً لذلك..
ولكن، لعله بعد حديث المساء..
فقد اجتمعا زملاء الدراسة وأصدقاء الطفولة.. تحدثنا عن حياتنا.. عن أعمالنا..
خرجت بانطباع عام..الغالبية لديهم المال.. ينفقون كما يحلو لهم.. كما يشاءون.
فلان له كذا وكذا من العقار.. وفلان مثله أو يزيد..
وأنا أقلّ الجميع!
لعلي شعرت بالحزن.. وأصبحت الكآبة رفيقتي..
موعدي بعد صلاة العصر مع عبدالرحمن
شاب بمقتبل العمر، دمث الأخلاق، حلو المعشر، حاضر النكتة، من خيرة الشباب..
لعل في زيارته تخفيفاً لما أشعر به.. وكما توقعت.. ما إن أحس أن هناك شيئاص في داخلي.. حتى تلاحقت أسئلته..
مابك..؟ وهل هناك ما يكدر صفو أيامك..؟
احمد الله على ما أنت فيه من نعمة.. ثم أضاف بنبرة فيها عتاب "والله إنك في نعم لاتحصى ولاتعد، وأولها نعمة الإسلام"..
تمهل في الحديث.. وأكمل "أنت حالك كحال رجل جاء إلى أحد الصالحين، فشكا إليه ضيقاً في حاله ومعاشه، واغتماماً بذلك.
فقال: أيسرّك ببصرك مائة ألف؟ قال: لا.. قال: فبسمعك..؟ قال : لا..
قال له: أرى لك مئين ألوفاً وأنت تشكو الحاجة..!"
سكت برهة.. ثم أجبته بصوت ضعيف "الحمد لله.."
جاءت كلماته الصادقة.. وهو نعم الصديق..
"هل بقي شي من الكدر وضيق الصدر..؟ تذكر أمراً.." عندما رفع صوته وسألني بحدة..
"كيف جعلت للضيق في صدرك مكاناً..؟ يوم كامل يصول ويجول الكدر والهم في قلبك..؟ أين أنت عن الصلاة وقراءة القرآن؟؟
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.. كل يوم لا تفوتك فيه قراءة الصحف والمجلات.. أين قراءة صحف ربك..؟ أين أنت من القرآن..؟ على أي حال تريد أن تزيل كل شي في خاطرك، وتستعيد صفاءك..؟"
رفعت رأسي.. وأجبت "نعم"..
قال: "هيا.."
-"إلى أين؟!!"
-"لاتسأل أين.. بعد أن أغلقت باب السيارة.. من النعم وسائل النقل المريحة،
تذهب متى تشاء براحة وطمأنينة.. هل حمدت الله أنك تعيش في دار الإسلام وبين المسلمين؟ تسمع النداء كل يوم خمس مرات، تربّي أبناءك على التوحيد الخالص.."
في الشارع العام..هدّأَ من سرعة السيارة، ثم سار بتجاه اليمين،
-"إلى أين يا عبدالرحمن..؟ هذه المقبرة ..!!!"
-"أعرف أن هذا طريق المقبرة.. وأن هذه التي أمامنا المقبرة.. تمهل ولا تستعجل الأمور
لماذا تخاف..؟ دعنا ندخلها بأقدامنا قبل أن يدخل بنا محمولين..
هذه دارنا الثانية.. دعنا نزرها..
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية..اللهم لاتحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم..واغفر لنا ولهم..".
بعد السلام على أهل القبور، تركت عيني تتجول في مساحة المقبرة.. أرض جرداء.. سكون خافت.. صمت متواصل.. لاتسمع حديثاً رغم كثرة الساكنين..
قبور متراصّة.. وجيرة متباعدون.. لايعرف بعضهم بعضاً.. تضم الطفل الرضيع
والأمير الوضيع.. الشيخ الكبير هنا قبره.. والعروس التي وسّدت الثرى ليلة زفافها هنا مرقدها..
هنا من كان منعّماً في الدور والقصور..
أما هناك..
قبر الشاب المكتمل الصحة والقوة..
من سقط فجأة.. ودفن فجأة..
وهذه القبور المحفورة تنتظر الساكن الجديد..
تنتظر الجنازة القادمة..
ربما أنا..؟!
وربما أنت.. ؟!
قطع تفكيري..
مارأيك في هذا القبر.. وهذا اللحد..
ماذا تقول فيه..؟ هذا صندوق العمل، هذه دارك الثانية..
-"ياعبدالله..
انزل في هذا القبر.."
أجبته بسرعة، وبصدق.. "لا أستطيع"..
ومع إجابتي تراجعت قليلاً وابتعدت عن حافة القبر.. خوف أن أسقط..
أما عبدالرحمن فقد تقدّم، ونزل في القبر..
"باسم الله".. ووضع جنبه في اللحد..
"ما أحقر الدنيا.. هذه داري بعد الموت.. اللهم اجعل قبري روضة من رياض الجنة"
بعد برهة، قفز من القبر.. أسمعني صوته..
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }
"بلى سنُرجَع.. بلى سنُرجَع.."
التفت إليّ وهو يزيل التراب..
-"انزل عبدالله لتزول همومك"..
أصابتي قشعريرة.. تمالكتُ نفسي.. ولمّا رأيت إصراره، نزلت..
ما أضيق القبر ولحده.. موحش ومظلم.. حتى الحركة، لاتستطيع أن تتحرك
"ياعبدالله.." صوت من أعلى يناديني..
قدّر لنفسك أنك مت.. ودفنت، ما العمل الصالح الذي قدمت..؟
أجلت طرفي يمنة ويسرة داخل القبر.. تفكرت في أمرين..
هوان الدنيا.. وطول الأمل..
سنرحل جميعاً ونترك كل شيء..
إلا العمل الصالح..
المصدر: موقع صيد الفوائد
- التصنيف: