في سطور، واحكم أنت

منذ 2006-01-23

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

الدين يسر

فإنّ الله عز وجل جعل دينه دينًا مناسبًا لكل الأزمان والعصور، وجعل الشرع سهلًا ميسورًا على كل مسلم بحيث يستطيع أن ينفذ ما أمره الله به وأن يمتنع عما نهاه الله عنه بيسر قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [1] وقال سبحانه:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [2] فلو حرم علينا شيئًا سبحانه لا يحرمه إلاّ لأجل مصلحتنا ولو أحل لنا شيئًا فلا يحله إلاّ من أجل مصلحتنا فنحن متفقون أنّ الدين يسر.

سؤال

و الآن أسأل سؤالاً .. هل سوف نقف أمام الله عز و جل؟ هل سوف نعرض عليه يوم القيامة..؟ وهل سوف نحاسب على أعمالنا في ذلك اليوم حيث تقسم الأعمال إلى حسنات وسيئات وليس هناك نوع ثالث؟! هل سوف ينصب لكل منّا ميزاناً للحسنات والسيئات..؟ بالطبع الإجابة نعم.

أقول لك... لمّا تقف أمام الله عز وجل كي تحاسب وتسأل عن أعمالك صغيرها وكبيرها، سرها وعلانيتها، قبيحها وحسنها: أين ستضع الاختلاط بين الرجال والنساء، والخلوة بهن في البيوت والجامعات والأعمال والمنتديات والمصانع والمتاجر والعيادات و و و....؟؟!

هل سيكون هذا العمل في ميزان الحسنات أم في ميزان السيئات؟

هل تتقرب إلى الله بهذا العمل أم أن هذا العمل يبعدك عن الله؟

إذا أردت أن تعرف الحق فاقرأ هذه السطور واحكم أنت.....

بعض النّاس يقولون أنّ الاختلاط حرام... وبعضهم يقول أنّه ليس حرام مطلقًا فلو كانت النية صالحة فلا شيء... وبعضهم يقول ليس حرامًا أصلاً!! بل إنّه يهذب الأخلاق والمشاعر ويخلق روح التنافس بين الجنسين!!

فمن هو صاحب الحق؟؟ فالنّاس قد اختلفوا في الحكم على الإختلاط وقد قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [3].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [4].

فهيا بنا نرد هذا الأمر إلى الله وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ‌لنعرف من صاحب الحق في هذه القضية.

أولاً:

أخي الحبيب، أختي الغالية ما رأيكم في جيل الصحابة..؟ أليس هو خير جيل أوجده الله؟.. قال الله سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [5] وما رأيكم في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن؟! ألسن هنّ أطهر نساء العالمين؟!! بلى بالطبع..

فقد أنزل الله عز وجل آية في الصحابة إذا أرادوا أن يتعاملوا مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية هي قول ربّنا عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [6] ومعنى الآية: يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا سألتم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فاسألوهن من وراء حجاب - والمتاع هو الشيء الضروري من ضروريات الحياة - لماذا يا ربّنا؟ قال الله عز وجل: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [7] قلوب من؟!! قلوب الصحابة و قلوب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم!!! سبحان الله العظيم.

فلو كنّا أفضل من الصحابة فلسنا مخاطبين بهذه الآية ولو كنّا مثلهم فلنفعل مثل ما فعلوا ولكن الحقيقة أنّنا لسنا شيئًا بالنسبة لهم فأين نحن من هؤلاء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم و لا نصيفة» [8] و المد هو ملئ الكف.

والآية نزلت في الصحابة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنّها عامة لكل المسلمين فالله منع الاختلاط بين أطهر الرجال وأطهر النساء ونحن بالطبع لسنا مثلهم، مع أنّ الصحابة لا يريدون مزاحًا ولا زمالة ولا صداقة ولا ولا.... ولكن يريدون متاعًا ضروريًا مثل طلب الفتوى أو طلب المساعدة بالمال أو إبلاغ رسالة وما إلى ذلك.

ثانيًا:

كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة ألاّ يلتفت مباشرة حتى لا تقع عينه على النساء، فالتفت ذات مرة فوجد الصحابة رجالاً ونساء يخرجون من باب واحد من المسجد؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال للنساء:«ليس لكنّ أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق» [9] أي لا يصح لكنََََََََََََََََََ أن تمشين في منتصف الطريق ولكن عليكن بحافات الطريق وجوانبه، وأمر بفتح باب للنساء وباب للرجال صلى الله عليه وسلم.

ولنا عدة تأملات في هذه القصة:

أ- أنّ الصحابة رجالًا ونساء كانوا يصلون في المسجد أي أنّهم كانوا في عبادة وفي المسجد وهم الصحابة خير النّاس بعد الأنبياء ورغم ذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاط بينهم ولم يقل صلى الله عليه وسلم إنّهم الصحابة أصحاب الأخلاق الكريمة والسمعة الحسنة.. لا ولكن غضب لما رأى ذلك وأمر بفتح باب للنساء وآخر للرجال.

ورأى صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر الصحابي الجليل يخرج من باب النساء ذات مرة فقال له صلى الله عليه وسلم:«لو تركنا هذا الباب للنساء» [10] فلم يخرج منه ابن عمر حتى مات.

ب- أنّ الصحابة رجالاً و نساء كانوا يصلون...ولم يكونوا في جلسة سمر أو جلسة زمالة ولا صداقة ولا أخوة كما يزعم البعض حين يختلط بالنساء الأجنبيات عنه واللاتي لسن من محارمه في الجامعات والعمل وغيرهما من الأماكن.

ج- كان نساء الصحابة رضي الله عنهن بعد هذه القصة أول ما يذوب من ثيابهن الكتف..! لامتثالهن لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمشي في حافات الطريق وعلى جوانبه؛ فكان الكتف يحتك ويعلق بالجدران حتى يذوب..!!

فياله من حياء من نساء لم نرى ولن نرى مثلهن..! وياله من امتثال يدل على الإيمان العميق بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم... فرضي الله عن الصحابة أجمعين ومن سار على طريقهم إلى يوم الدين.

ثالثًا:

أخي... أختي هل تعلمون شيئًا عن الحور العين...؟ إنّهن نساء المؤمنين في الجنّة نسأل الله أن يجعلنا من أهلها؛ لما وصف الله الحور العين في القرآن امتدحهن بصفة هي حقا صفة مدح؛ ومعلوم أنّ أحدنا إذا طلب منه مدح أو وصف أحد بما فيه من المكارم فإنّه يذكر أحسن ما فيه من هذه المكارم..

فالله لما امتدح الحور العين قال عنهن: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [11] أي لا يخرجن من بيوتهن...! هذا في الجنّة حيث لا شياطين ولا سيآت ولا نية سيئة ولا.. ولا.. ولا .....!!

إنّ المرأة لم تخرج من بيتها إلاّ في العصر الحديث على يد الآثم "آثم أمين" - أتعمد كتابتها بالثاء - وصفية زغلول وزوجها سعد زغلول بدعوى تحرير المرأة؛ فكانت قبل ذلك وحتى عام 1919م تقريبًا تمتثل أمر ربّها سبحانه وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه} [12]، ولكنّها خرجت وإنّا لله وإنّا إليه راجعون وخلعت برقع الحياء حتى صرنا اليوم نشاهد بنات ونساء المسلمين - إلاّ من رحم الله - يرتدين ملابس الكافرات من البدي مثل: (الكارينا) و(الهاف ستوماك) و(الاسترتش) و(الجينز) وحزام الوسط
و(البنطالونات الساقطة وغير الساقطة والضيقة) و(الجيبات السك والاستريت) الضيقة جداً و(البارامودا) والملابس المفتوحة مثل: (التونيك) و(الدريل) و(التوب) والملابس الشفافة مثل (الشيفون وغيره) والمزينة والمعطرة والملفتة للنظر والتي تجسد العورات مثل (الفيزون) إلى آخره.

وهذا إن دل يدل على التبعية العمياء للكافرات وواضح جداً من أسماء هذه الملابس أنّها من صنع خطوط الموضة التي يضعها اليهود والنصارى لإضلال المسلمات، وكل هذا لا مانع منه ما لم يكن فيه تشبه صريح بالكافرات وأن يكون للزوج فقط.

ولسنا ضد خروج المرأة من بيتها للضرورة ولكن إذا خرجت وجب عليها أن تلتزم بتعاليم الإسلام فلا تتزين ولا تظهر زينتها لتفتن المسلمين وأن تلتزم الحياء الذي هو خلق الإسلام، وأن تغض بصرها وألاّ تلتفت في الطريق وألاّ تمشي في وسط الطريق وألاّ ترفع صوتها وألاّ تخضع بالقول إذا ما تعاملت مع الرجال، وأن تلتزم بالحجاب الشرعي الكامل[13] الذي أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين وكل هذه التعاليم والضوابط سهلة ميسورة في التطبيق لأنّ الدين يسر كما اتفقنا وقد فرضها الله عليك أختي المسلمة من أجل مصلحتك؛ وكل هذه التعاليم والضوابط أمرك الله العليم الحكيم بها أيّتها الأخت المسلمة لأنّك غالية...نعم غالية، ولست كنساء الغرب الكافرات الفاسقات الفاجرات الزانيات اللاتي يختلطن بالرجال، بل ويتخذن من أعراضهن سبيلا للرزق والمتعة المحرمة، إنّ مثلهن كمثل المراحيض العامة "دورات المياة العامة" فهي مباحة لمن يريدها وقتما شاء فإذا قضى حاجته منها تركها قذرة نجسة، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا} [14].

فالله قال عن الحوريات أنّهن لا يخرجن من بيوتهن و إذا خرجن قال عز وجل عنهن: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [15] قاصرات الطرف أي لو خرجت فإنّها تغض بصرها فلا ترى الرجال... سبحان الله هذا في الجنّة...! فهذا حال أحسن النّاس حالًا.. أهل الجنّة، أفلا نسير على سيرهم كي نلحق بهم.. نسأل الله أن يجعلنا من أهلها بغير حساب ولا سابقة عذاب... آمين.

فهذه الثلاثية دليل قاطع على أنّ الاختلاط محرم في دين الإسلام وأنّه معصية يجب التوبة الفورية منها بل أعدها كثير أهل العلم أنّها من الكبائر.. وسبحان الله كما قال السلف: "أنّ من أضرار المعصية أنّها تجر إلى معصية أخرى".

ولو تأملت أخي.. أختي هذه المعصية بل الكبيرة؛ لوجدت أنّها يترتب عليها مفاسد عظيمة ومعاصٍ جسيمة وإليك بعضا منها:

إطلاق البصر:

فليس من المتصور أن يختلط رجل بامرأة ويغض بصره عنها...!!

من الذي أمر بغض البصر؟!! أليس هو الله سبحانه الذي قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [16] وهو سبحانه وعز وجل الذي قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [17]، هو سبحانه وتعالى الذي قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [18] فالله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وأخبر أنّ ذلك أزكى لهم أي أحسن وأطهر لهم... ألا نصدقه سبحانه و هو أعلم بنا من أنفسنا؟!! يعلم ما يصلحنا وما يفسدنا، قال الله سبحانه وتعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [19].

يا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت طبيبي

لا تعجبن فهكذا تجني العيون على القلوب

فما هو السبب الأول.. والداهية العظمى والمصيبة الكبرى الذي يوقع في داء العشق والإعجاب..؟!

إنّها السهم المسمومة.. إنّها جناية العين..

كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطـر

يســـر مقلته ما ضر مهجته لا مـرحباً بسرور عاد بالضرر

نعم هي جناية العين..! بل.. إنّها عقوبة المخالفة لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.

ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليــح

وتظن ذاك دواء قلبك وهو في التحقيق تجريح على تجريح

نعم.. قد أفسد قلبه وجرّحه..

ولنا في آيات سورة النور التي فيها الأمر بغض البصر عدة تأملات:

أ- أنّ الله أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ولم يقل سبحانه قل للنّاس يغضوا من أبصارهم؛ ولكن قال سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} لأنّه لن يستجيب لأمر الله إلاّ المؤمنين والمؤمنات؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [20] ولا مفلح غيرهم لأنّهم أطاعوا ربّهم واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ب- أنّ الله تعالى قال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فما السبب الذي من أجله أتى الأمر بحفظ الفرج بعد الأمر بغض البصر..؟!

السبب هو أنّ الذي لا يغض بصره لا يستطيع أن يحفظ فرجه غالبًا؛ وواقع المسلمين وصفحات الحوادث والجرائد خير شاهد على ذلك.. والحر تكفيه الإشارة؛ و إذا أردت الدليل على ذلك تأمل أي قصة كانت نهايتها الوقوع في الفاحشة ستجد أنّ أول خطوة في ذلك الطريق كانت إطلاق البصر..!!
قال ابن القيم رحمه الله: "إنّ الله تعالى لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج.. ليدلّ بذلك على أنّ من أطلق بصره.. أداه ذلك إلى إطلاق فرجه..". نعم والله..!

وكما قال السلف الصالحون: "إنّ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس يصيب القلب".. فتجد الذي يطلق بصره قاسي القلب مشتت البال والسبب السم الذي أصاب قلبه من النظرات المحرمة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة.. فزنا العين النظر.. وزنا اللسان المنطق.. والنفس تمنى وتشتهي.. والفرج يصدق ذلك.. أو يكذبه» [21]؛ فتأمل كيف بدأ بالعين.. وختم بالفرج.. ليدل أنّ إطلاق البصر.. هو طريق الزنا..!!

قال ابن القيم: "دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة..". وصدق رحمه الله.

فإنّ المرء إذا تساهل بالسهم الأولى وهي النظرة.. أصابته السهم الثانية وهي النظر بالقلب فيتفكر ويتمنى..

ثم يتدخل الشيطان فيزين ويوسوس.. يقول له: افعلها وتب.. كل الشباب هكذا.. تمتع بحياتك..

فتتحول هذه الفكرة إلى عزيمة وهمّ.. فيبدأ يفكر ويخطط.. فإن لم يدفع ذلك.. صار فعلاً.. فإذا هتك الستر بينه وبين ربّه.. هانت المعصية على النفس.. وتعودت على المعصية..

لكنّه لو تعوذ بالله من أول نظرة.. وصاح بها كما صاح يوسف.. ويقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [22]. هذا حال الأبرار المتقين {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [23].

ج- أنّ الله تعالى قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أي أطهر لهم أن يغضوا من أبصارهم وأحسن.. سبحان الله ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا وما يفسدنا؛ يعلم ما نسعد به ما لا نسعد به؛ ونحن في العرف نقول: أنّ الذي يصنع آلة هو أعلم رجل بهذه الآلة، يعلم إذا فسدت أو تعطلت كيف يصلحها وكيف تعمل بكفاءة وكيف يطول عمرها الإنتاجي... ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض وكما قال سبحانه: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [24]. لا تقل أنا أخلاقي حسنة ولا أوذي أحد وأفعل ذلك بحسن نية وأنا أخاف من الله وأتقيه... أقول لك لا تزكي نفسك وتمدحها فالله أعلم بخفايا النفوس والقلوب قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} وقال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [25].

د- أنّ الله تعالى أمرنا جميعا بغض البصر فقال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} وإن لم يغضوا من أبصارهم فماذا ؟! قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أي أنّك أمرت بغض البصر فإن أطعت الله وغضضت بصرك زاد إيمانك وإن لم تغض بصرك ونسيت نظر الله إليك فاعلم أنّ الله خبير بما تصنع؛ سوف يكتبه ليحاسبك عليه قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [26] أي مكتوب عليك لتحاسب عليه وهو القائل سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [27]. ولما سُئل الحسن البصري رحمه الله: بما يستعان على غض البصر؟ فقال: "أن تعلم أنّ نظر الله إليك أسبق". قبل أن تنظر تذكر أنّ الله سبحانه وتعالى يراك {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [28].

هـ- كما أنّ الله سبحانه أمر الرجال بغض البصر أمر النساء كذلك بغض البصر وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّما النساء شقائق الرجال» [29] أي أنّهن مأمورات بما أمر الله به الرجال.

فهذه أول معصية تترتب على كبيرة الإختلاط ؛ أمّا الثانية فهي:

مصافحة المرأة الأجنبية:

فإنّ الذين يختلطون غالبا ما يقعون في ذلك... وقد يقول قائل: هل مصافحة المرأة الأجنبية حرام..؟

هل مصافحة زميلتي التي أعتبرها مثل أختي تمامًا أو جارتنا التي تربينا سويًا منذ الصغر أو ابنة عمي أو ابنة خالتي أو زوجة عمي أو زوجة خالي حرام ..؟!! إنّني أصافح إحداهن وليس في نيتي شيء والأعمال بالنيات...

أقول لك أخي الحبيب... أختي الغالية:

هل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الصحابة ويبايعونه على الإسلام بالقول والمصافحة وهل تعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتحن المؤمنات - أي يشترط عليهن - قبل الدخول في الإسلام كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [30]. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد بايعتك كلاماً" ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة؛ ما يبايعهن إلاّ بقوله: «قد بايعتكن على ذلك»" [31]. ومعلوم كما تقدم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع الرجال صافحهم بل قال صلى الله عليه وسلم للنساء في موقف البيعة هذا: «إنّي لا أصافح النساء؛ إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحده أو مثل قولي لامرأة واحدة» [32] وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» [33]. وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [34].

ولنا في هذه البيعة تأملات:

أ- أنّ الرجال والنساء الذين جائوا ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم جائوا يطلبون نصرة الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان موقف البيعة موقف جد، موقف نصرة لله، موقف لا مزاح ولا لعب فيه ومع ذلك لم يصافح النبي صلى الله عليه وسلم أي امرأة بايعها؛ لأنّ البيعة اشتراط على الالتزام بطاعة الله وطاعة الله ملزمة لنا في كل حين ولا يجوز أن نطيع العادات الإجتماعية الفاسدة وقواعد الذوق التي تخالف تعاليم الإسلام ونترك طاعة الله فطاعة الله مقدمة على كل شيء؛ فالإسلام حرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية للأدلة التي ذكرت؛ فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة أو العكس محتجاً بالعادات الإجتماعية أو بأنّ ذلك موافقا للأدب والذوق؛ لا والله إنّ الإسلام جاء بأسمى قواعد الأدب والذوق الرفيع ولكنّنا رضينا بالعادات الإجتماعية الفاسدة بديلًا عن عادات وآداب الإسلام إلاّ من رحم رب العالمين.

ثم إنّ بعض النّاس هدانا الله وإيّاهم يصاحبون المصافحة بابتسامات وضحكات وتمايلات تهيج الكامن وتقرب من الفواحش وترغب فيها مثل ما يحدث بين الموظفين والموظفات والطلبة والطالبات، فعياذا بالله من الإنحراف عن سواء السبيل.

ب- رغم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما من الخطأ؛ وله من الزوجات تسعة؛ وقد بلغ من العمر الستين إلاّ أنّه لم يصافح النساء اللائي جئن للبيعة ولم يلتفت إلى مسألة النية أو ما إلى ذلك وهو خير أسوة صلى الله عليه وسلم ولم يفعل ذلك لأنّ من حرم ذلك هو الله عز وجل القائل في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [35].

ومن المعاصي المترتبة على الاختلاط:

الخضوع بالقول:

فإذا اختلط الرجال بالنساء تجد النساء إلاّ من رحم الله تتبسم وتترقق وتلين في الكلام؛ مع أنّ الله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك فقال:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} [36] فهذا أمر الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن المؤمنات الطاهرات العفيفات أمهات المؤمنين.. فأين نساء اليوم منهن..؟!!

فيجب على المرأة المسلمة المؤمنة ألاّ تخضع بالقول وليس معنى عدم خضوعها بالقول أن تكون فظة غليظة إذا حادثت بعض الرجال لأمر ضروري؛ لا ولكن تتكلم بكلمات تنم عن أدب وحسن خلق ولا تجعل الرجال يطمعون فيها.. ولتدرك تماما أثناء حديثها أنّ الله يعلم ما تقول.. معها سبحانه يسمع ويرى.. ولتدرك تماما أنّ ربّها يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. عجيب أمر امرأة فظة غليظة مع زوجها و محارمها ثم هي تخضع بالقول مع الرجال الأجانب والشباب ..!!

وكذلك فلا يخضع الرجال بالقول..!! و قد يعجب شخص من هذا فيتساءل.. هل يخضع الرجل بالقول..؟!

نعم.. هناك من يخضع بالقول من الرجال.. هناك رجل يتصل بصديق له على الهاتف فإذا وجده كلمه كلام رجل لرجل أمّا إذا ردت عليه امرأة أخذ بسماعة الهاتف..فإذا به يتأنث معها ويتخنث ويخضع لها بالقول غاية الخضوع كي يوقعها في شراكه وحباله .. وخفي عليه أنّ الله تعالى محيط بما يعمل عليم بما يصنع.

ومن المعاصي المترتبة على الاختلاط:

الخلوة:

ما هي الخلوة المحرمة؟

هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية [37] عنه في غيبة عن أعين النّاس وهي من أفعال الجاهلية وكبائر الذنوب.

ما هو الدليل على تحريمها؟

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم» [38]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ألاّ لا يخلون رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشيطان» [39]، وهذا يعم جميع الرجال ولو كانوا صالحين أو مسنين وجميع النساء ولو كن صالحات أو عجائز، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإنّ ثالثهما الشيطان» [40]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تلجوا على المغيبات فإنّ الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم» [41] أي لا تدخلوا على النساء اللاتي غاب أزواجهن لسفر وما إلى ذلك، فهذا الكلام موجه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أطهر النّاس بعد الأنبياء فما بالك بنا أصحاب النفوس الضعيفة .. أصحاب الذنوب والمعاصي .. أصحاب الشهوات .. نسأل الله أن يعصمنا من الزلل وأن يغفر لنا ذنوبنا.

وقد يسهل الدخول على المرأة والخلوة بها بسبب وجود القرابة أو بسبب زوجها كابن العم وابن الخال مثلا أو صديق الزوج.. ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء لأنّه من مداخل الشيطان وأسباب الفساد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم و الدخول على النساء؛ فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت الحمو الموت» [42] والحمو هو قريب الزوج الذي لا يحل للمرأة كأخيه وابن عمه، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنّه لو دخل أحد هؤلاء على المرأة فإنّ ذلك يفسد الحياة الزوجية كما يفسد الموت البدن؛ فلا تعرض المرأة نفسها للخلوة مع أحد وإن قل زمن هذه الخلوة؛ لعدم الأمن وخصوصا مع فساد الزمن، والمرأة فتنة.

فالحكمة من تحريم الخلوة هي سد الذريعة إلى الفاحشة أو الاقتراب منها، حتى يظل المرء واقفا على مسافة بعيدة قبل أن يفضي إلى حدود الجريمة الأصلية؛ قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [43] فلا يحل لشخص بعد هذه الأدلة أن يخلو بامرأة لا تحل له...

فلا يحل لقريب الزوج كأخيه وابن عمه أن يأتي في غياب الزوج ويخلو بالزوجة...!!

ولا يحل لصديق الزوج أن يأتي إلى المنزل في غياب الزوج ويخلو بالزوجة ولا يحل له أن يخلو بها في حضور الزوج في البيت ويغلق عليهما باب...!!

ولا يحل لمدرس أن يخلو بفتاة يعلمها، ولو كان يعلمها القرآن، ولا أن يغلق عليهما باب كما يحدث في كثير جدًا من بيوت المسلمين ولا حول ولا قوة إلاّ بالله فهذا باب عظيم من أبواب البلاء...!!

وكذلك لا يحل لمحفظ قرآن أن يخلو بامرأة يعلمها القرآن. وكذلك لا يحل لمعالج يعالج بالقرآن أن يخلو بامرأة يعالجها...!!

ولا يحل لطبيب أن يخلو بمريضة ولا بممرضة ونعوذ بالله من المهازل التي تحدث في المستشفيات والعيادات، وياليتهم يفرقون في نوبات العمل بين الرجال والنساء ويفصلون بين الرجال والنساء...!!

وقبيح أيّما قبح أمر صيدلي أو بقال يستأجر فتاة للعمل معه حيث هناك مكان يخلو بها فيها...!!

وكذلك لا يحل لمدير أن يخلو بسكرتيرة ولا أن يغلق عليهما باب، فالشيطان ثالث هؤلاء كما قد تقدم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا يحل كذلك لخاطب أن يخلو بمخطوبته فهو لا يزال رجلًا أجنبيًا عنها، وغريب أمر رجل قلت مروءته وانعدمت غيرته حيث يترك خاطب ابنته بالغرفة معها ويغلق عليهما الأبواب فهل هذا من الغيرة بمكان أم إنّه من الدياثة [44] بمكان كبير..؟!

وكذلك لا يحل لرجل أن يخلو بالخادمة التي تخدم في بيته فليست هي من محارمه...!!

وكذلك لا يحل للزوجة أو الإبنة أن تفتح باب البيت لأخي زوجها أو صديقه أوصديق أخيها في غير وجود المحرم ولا أن تختلي بأحد هؤلاء أو يغلق عليهما باب...!!

ليحذر كل مسلم ومسلمة ممـّّا يعرض على شاشات التلفاز، لمـّا ترى المرأة وقد حضر صديق زوجها أو أخيه إلى البيت وطرق الباب وقال فلان موجود؟ فترد عليه قائلة: لا.. تفضل، فيدخل و يغلق عليهما الباب ويأكل ويشرب ثم يأتي الزوج فيجد زوجته مع ذلك الرجل في البيت وقد فعلت معه ذلك فيشكرها على إكرام ضيفه..!!

إنّا لله وإنّا إليه راجعون... هل هذا من دين الإسلام في شيء..؟ نعوذ بالله من الخذلان.

فهل يا ترى نجد قلوبا تعي هذه الكلمات..؟ و آذانا تصغي لتلك النداءات..؟ وكل هذه التعاليم والضوابط الربانية سهلة ميسورة لأنّ الذي أمر بها هو الله الملك سبحانه وتعالى وكما اتفقنا "الدين يسر" وأنّ الله لا يكلف نفساً إلاّ وسعها.

وأكبر معصية تترتب على جريمة الاختلاط:

الزنا:

فعياذًا بالله من الزنا.. من أكبر الكبائر المهلكة.. تلك الفاحشة التي مقتها الله عز وجل ووعد من يفعلها ويقع فيها بالوعيد والعذاب الشديد.. عياذا بالله من الزنا.. فهو من أعظم الكبائرو المصائب التي تنكد على من يفعلها حياته وتفسد عليه دنياه وأخراه وتجعله في نكد دائم وهم لا يفارق.. ولا يزال شبحها يطارده وضررها يلاحقه حتى عند وفاته وفي قبره ويوم يقوم الأشهاد.. تلك الفاحشة الكبرى التي تجلب لفاعلها العذاب في الدنيا والآخرة.. تلك الجريمة الكبرى التى تتسبب في زوال الصحة والعافية وحلول البلايا والأسقام وتتسبب كذلك في محو البركة ومحق الأرزاق.. تلك الجريمة النكراء التي تتسبب في قطع الأرحام واختلاط الأنساب وزوال الإيمان.. تلك الكبيرة الشنعاء التي تلحق بمن يفعلها العار والشنار وتوجب في الآخرة عذاب النّار.. فكم من نفس قد أزهقت بسببها وكم من رحم قد قطعت وكم من امراة قد طلقت وكم من صداقات قد مزقت وكم من مولود قد ألحق بغير أبيه.. كم من وجه قد سلب بهاؤه وكم من عين قد سلبت ضياؤها وكم من قلب قد اضطرب وانكمش بسبب هذه الفاحشة المنكرة.

فيا الله.. نسألك الستر والعافية والنجاة من هذه الفاحشة.. نسألك يا ربّنا العصمة منها لنا ولأولادنا ولأزواجنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا وآبائنا وأمهاتنا والمسلمين والمسلمات فالمعصوم من عصمت يا ربّنا والمحفوظ من حفظت سبحانك.. نسألك يا ربّنا أن تجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأن تأخذ بأيدينا إلى الطهر والعفاف و الهدى والتقى والإيمان.

هذا ومن المعلوم لدى عموم المسلمين والمسلمات لدى علمائهم وعامتهم أنّ الله عز وجل حرم هذه الفاحشة فقال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [45] وقال عز وجل عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [46]، وحرمها كذلك عز وجل في مواطن كثيرة من القرآن الكريم وكذلك فقد حرم الله تعالى كل السبل الموصلة إليها مثل عدم غض البصر عن المحرمات والاختلاط والخلوة بالأجنبيات والمصافحة واللمس والخضوع بالقول كما ذكر آنفا... فقوله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} معناه لا تفعلوا وتقتربوا من الزنا بهذه المحرمات المذكورة لأنّها كلّها تقرب من الزنا.. وصفحات الجرائد وواقع المسلمين وما نراه بأعيننا لأكبر دليل على ذلك.

وبعد كل هذا...

قد يقول قائل...

قد يقول قائل أنا نيتي صالحة وليس في نيتي شيء وأنا أصادق زميلاتي أو أقاربي أو جاراتي على أساس أنّهن أخوات لي وكذلك قد تقول هذه المقولة أي فتاة أو امرأة ...!!

أقول لك أخي الحبيب أختي الفاضلة.. إنّ النية لا تصح إلاّ في الأعمال الصالحة وكما هو معروف عند المسلمين أنّ "النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد"... فلو أنّ رجلا أراد أن يحج إلى بيت الله فهل هذه إرادة طيبة ونية صالحة..؟ بالطبع نعم فلما ذهب ليحج بالفعل سرق وحج من هذا المال فهل تقبل منه هذه العبادة.. ؟! بالطبع لا.. لأنّه ارتكب عملا فاسدا وهو السرقة ومعلوم أنّ السرقة محرمة في دين الإسلام، ونيته الصالحة التي لا شك في صحتها لم تغير من فساد هذا العمل. فكذلك الاختلاط وما يلحق به من ذنوب من خلوة ونظر ومصافحة وخضوع بالقول وزنا،كلّها أعمال فاسدة في الشرع محرمة على المسلمين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة كما تقدم، والنية الصالحة لا تغير من فساد هذه الأعمال.

فتش عن الثغرة

قال الدكتور محمد إسماعيل المقدم .. حفظه الله:

إنّ جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح المشينة، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعد ما تبين. وإنّ الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي شاع فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدنيا والدين، لخصها العلامة أحمد وفيق باشا العثماني الذي كان سريع الخاطر، حاضر الجواب، عندما سأله بعض عشرائه من رجال السياسة في أوروبا في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلا: لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهن؟. فأجابه في الحال قائلا: لأنّهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن. وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنّه ألقم الحجر.

ولما وقعت فتنة الاختلاط بالجامعةالمصرية؛ كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين، ولما سئل طه حسين عن رأيه في هذا قال: "لابد من ضحايا"! ولكنّه لم يبين بماذا تكون التضحية؟ وفي سبيل ماذا؟.. لا بد من ضحايا..!!!

وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى من وأعز وأثمن من أعراض المسلمين؟!

فتبًا لهؤلاء المستغربين وسحقًا سحقًا لعبيد المدنية الزائفة الذين أطلقوا لبناتهم ونسائهم العنان يسافرون دون محرم، ويخلون بالرجال الأجانب، مدعين أنّ الظروف قد تغيرت وأنّ ما اكتسبته المرأة من التعليم وما أخذته من الحرية؛ يجعلها موضع ثقة أبيها وزوجها؛ فما هذا إلاّ فكر خبيث دلف إلينا ليفسد حياتنا، وما هي إلاّ حجج واهية ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم غيرة الرجولة والشهامة فضلا عن كرامة المسلم ونخوته.

ومثل الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنّهم ربوا على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق؛ مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة ثم ادعوا أنّ الانفجار لا يكون لأنّ على البارود تحذيرا من الإشتعال والإحتراق...!! إنّ هذا خيال بعيد عن الواقع ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثها.

والآن نستطيع بكل قوة أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها، وهي أنّك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض وذبح فيها العفاف وأهدر فيها الشرف؛ ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت هذه الجريمة وسهلت سبيلها، فإنّك حتما ستجد أنّ هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة الإسلامية بين الرجال والنساء، ومن خلال هذه الثغرة دخل الشيطان...!

وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا . يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا} [47].



تمت الرسالة والحمد لله رب العالمين.

وجزى الله خيرا من نشرها وأذاعها نصيحة للمسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله» [48].



**************************************


[1] سورة البقرة الآية 185.

[2] سورة البقرة الآية 286.

[3] سورة الشورى الآية 10.

[4] سورة النساء الآية 59.

[5] سورة آل عمران الآية 110.

[6] سورة الأحزاب الآية 53.

[7] سورة الأحزاب الآية 53.

[8] رواه أبو داوود وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7310.

[9] رواه أبو داوود من حديث أسيد الأنصاري رضي الله عنه وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم 929.

[10] رواه أبو داوود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5258.

[11] سورة الرحمن الآية 72.

[12] سورة الأحزاب الآية 33.

[13] ويمكن معرفة صفة الحجاب الشرعي كما أمر الله وكما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى: (كتاب عودة الحجاب) و(كتاب الحجاب لماذا لفضيلة الشيخ العلامة الدكتور محمد إسماعيل المقدم حفظه الله).

[14] سورة النساء الآيتين 27 و28.

[15] سورة الرحمن الآية 56.

[16] سورة النور الآيتين 30 و31.

[17] سورة البقرة الآية 185.

[18] سورة البقرة الآية 286.

[19] سورة الملك الآية 14.

[20] سورة النور الآية 51.

[21] الحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري وقد رواه في كتاب الاستئذان برقم 6315.

[22] سورة يوسف الآية 23.

[23] سورة الأعراف الآية 201.

[24] سورة النجم الآية 32.

[25] سورة النجم الآية 14.

[26] سورة القمر الآية 53.

[27] سورة غافر الآية 19.

[28] سورة العلق الآية 14.

[29] رواه أحمد وأبو داوود والترمذي من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2333.

[30] سورة الممتحنة الآية 12.

[31] رواه البخاري في كتاب التفسير من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها برقم 4891 باب {إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}.

[32] رواه الترمذي والنسائي وغيرهما من حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2513.

[33] رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5045.

[34] سورة الأحزاب الآية21.

[35] سورة الأحزاب الآية21.

[36] سورة الأحزاب الآية33.

[37] المرأة الأجنبية هي التي يحل له أن يتزوج منها أو أنها غير محرمة عليه أبداً مثل أخت الزوجة أو خالتها أو عمتها أو ابنتها إذا كان الرجل تزوج أمها ولم يدخل بها.

[38] رواه البخاري في (كتاب النكاح) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما برقم 5288 طبعة المكنز الإسلامي ورواه مسلم في (كتاب الحج).

[39] رواه الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه برقم 2318 طبعة المكنز الإسلامي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2546.

[40] رواه أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وصححه الألباني في الإرواء برقم 1813.

[41] رواه الترمذي من حديث جابر بن عبد الله في كتاب الرضاع وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 1172.

[42] رواه البخاري وغيره من حديث عقبه بن عامر في كتاب النكاح برقم 5287 طبعة المكنز الإسلامي.

[43] سورة البقرة الآية 187.

[44] والدياثة هي عدم الغيرة على الأعراض فتجد الرجل يرى السوء في أهله وبناته ولا يتحرك له ساكناً؛ نسأل الله العفو والعافية.

[45] سورة الإسراء الآية 32.

[46] سورة الفرقان الآيات 68 و69 و70.

[47] سورة النساء الآيتين 27 و28.

[48] رواه مسلم وأبو داوود والترمذي واللفظ له برقم 2883 كتاب العلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

المراجع :

- القرآن الكريم.

- موسوعة المكنز الإسلامي في الحديث الشريف.

- فتح الباري شرح صحيح البخاري طبعة دار طيبة السعودية.

- كتاب ولا تقربوا الزنا للشيخ مصطفى العدوي حفظه الله.

- كتاب صيحة نذير وصرخة تحذير للشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله.

- كتاب مواقف إيمانية للشيخ أحمد فريد حفظه الله.

- شريط فتنة النساء للشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله.

- شريط اعترافات عاشق للشيخ محمد العريفي حفظه الله.

- رسالة هو وهي من مطبوعات الدعوة السلفية بجامعة حلوان من تأليف الأخ هاني منصور حفظه الله.

جمع وترتيب

عابر سبيل

غفر الله له ولوالديه ولمشايخه وللمسلمين ... آمين